ٱراء واتجاهات


عالمه

الخميس - 02 مايو 2024 - الساعة 12:09 ص

الكاتب: محمد الخضر المحوري - ارشيف الكاتب




في ذلك الجزء النائي من العالم يقف وحيدا إلا من كتاب وبقية حطام من ذاكرة، غير عابئ بما وراء تخومه من عوالم مكتظة بالحركة والفوضى.
ممتن لهذه المساحة الضيقة القابعة في شرنقة العزلة، التي لا تمثل بالنسبة لغيره إلا الجمود على حافة الفراغ، لكنها بالنسبة له كل ما يحتاج، وربما أكثر.

هو معلق بها إلى الحد الذي لا يطيب له السكون إلا في أتون صقيعها، تحاول الحشود جره إلى بؤرة تسارعها والتقائها، فيرفض متجاهلا كل المغريات المصحوبة بذلك النداء...
تنهال عليه كوابل حنق، تصطف في انتظام، تراوغ، تبرق لامعة، تختار بحرفية ودقة بيد أن لحظة تجل عابرة، مسداة من انغماسه العميق في محراب الخلوة تنسف كل مغريات المدنية والكثافة...

هو حق يقدر تلك المغريات، ويعلي من شأن منافعها، ويتحيز إلى إمكانية تمتع قدر لا باس به من الناس بها، بل يذهب إلى ارتياح الأغلبية لقرقعة الاحتشاد والكثافة، لكنه يسارع في المقابل إلى رفض مناسبتها له، يستشعر أن بعض حواسه تتعطل، أو لنقل أنها تبلغ حدا لا يسعفه إلى لملمة تشظيه، والغوص في مسارب ذاته بعيدا، بحثا عن جملة لامعة، تصطف جنبا إلى جنب مع جمل أخرى لإنشاء قطعة نثرية يروي بها ظمأ عاطش.
وهكذا هو الحال بالنسبة له لو حاول نسج خيوط قصيدة محكمة، فحياكتها تتطلب طقوسا ضافية، يتأرجح عند تأديتها على تخوم برزخ قابع بين الوجود واللاوجود، وليس من الممكن بلوغه إلا بعد خرس طفيف تخاتله فقط أصوات ناعمة، لا تصرفه عن انغماسه، ولا تسمح له بالانجرار خلف السكون.
وتلك لعمري شروط تعسفية لا يمكن الالتقاء بها إلا في عالمه المستدق النائي...
في صحرائه الموغلة في الغطيط فقط يمكن لثم تلك الشروط، في صحرائه التي تشرعن الانمحاء والخرس كقانون، ولا تسمح لما عداها بالمثول إلا ما كان من نغمات سحرية لشحرور يعاني من فقد خليلته، أو ريح عابرة تعزف نأيها حين تمرق بين الأحراش، أو تراود بنزق صبارة وحيدة خجولة، أو خربشات خفيفة لبراثن سحلية تتمطى بروية على أحجار الميكا الشفافة.

هناك فقط تتلبسه لحظات تجل وكشف لما رواء المحسوس، ويتلبسه على غرارها شعور الإحساس بأنه كيان آخر لا صلة به بجسده المتخشب، كيان قادر على القيام بشيء ما، بل بأشياء في آن واحد.... قادر على اختراق أسوار المألوف...على التحليق في أبعاد المعنى...على رص صفوف البوح،.......

على كل شيء ربما.

محمد الخضر المحوري