الجمعة-18 أكتوبر - 10:53 ص-مدينة عدن

ٱراء واتجاهات


هل يمكن العيش بدونها؟

الأربعاء - 17 يوليه 2024 - الساعة 09:53 م

الكاتب: محمد الخضر المحوري - ارشيف الكاتب


أتساءل كم سيتبقى معي منها؟

في صغري كنت أحمل الكثير الكثير منها، براقة.. لامعة...وديعة، يستهويني تفقدها، والتربيت عليها بحنو،
وانا بطبيعة الحال لست الوحيد الذي أوجدها، والدي كان له نصيب وافر منها، أيضا والدتي شاركت إلى حد ما، ولا ابالغ أن أضفت لهذه القائمة أخي الأكبر.

والدي وهو يتفصد العرق من جبينه قال لي ذات مرة بعد أن أزاح الفاس جانبا: أستاذ..
لا بد من بلوغ هذه الدرجة.
بعد أن أزاح الفاس، التفكير فيها على ما يبدو أزاح جانبا من الألم أيضا.
واندفع مرة وهو يشتاك في سرد ملامح بعضا منها، كانت أمي تغرز الإبرة بروية في رجل والدي الذي بدا منشغلا عنها وعن قطرات الدم القرمزية الساقطة على الأرض.
يحلو له دوما الحديث عنها، خصوصا حين تتغضن ملامحه، يهرب بلا شك نحوها، يتولى بعناية صفها في رأسي، حتى أنه ذات مرة ونحن ذاهبون لاستدانة شيء ما-لست أذكره-من عمي، جذبني بياقة قميصي، وأخذ يحشو في رأسي ما تيسر له منها.

لا أذكر أنني رأيته منبسطا، تعلوه الجدية والصرامة، وعلى الرغم من ذلك تغلبه دون مقاومة، لمفعولها السحر عليه، هكذا يبدو حينما يشرع في تلقيني أياها.

الآن حينما أتذكر أعلم أن أبي سيخيب ظنه إلى أبعد حد، لن يروقه بكل تأكيد التخلي عن كثير منها، لكن هذا الأمر خارج عن إرادتي، الإبقاء عليها أمر مستبعد وغير وارد، بدأت كما أذكر تتخلى عني هي، بعد تخرجي من البكلاريوس حاولت اقتناص إحداها، كانت مغرية تسترها ملاءة شفافة، تشي بما ينتظرني، لكن ابن أحد المدراء أو القادة تمكن من أخذها مع أني كنت الأجدر.

حز ذلك في نفسي، لكن هذا الأمر لم يوهن معنوياتي خصوصا وأن ثمة أخريات في رأسي تنتظر قدومي، علاوة على أنني لا زلت صغيرا، ولا زال في العمر متسع كما يقولون، بيد أن حظي كما بدا لي لاحقا لم يكن جيدا، أو لعلي لم أكن أحسن التصرف، ولا أجيد اللعب على طريقة الكبار على حد وصف أحدهم.

كان الأمر مرهقا إلى درجة لا يمكن تصورها، تفقدها قبل النوم في السابق كان يمنحني بعض الراحة، لكنني منذ مدة لست على ما يرام خصوصا بعد فشلي المتكرر ونفوق أكثرها، لقد غدت اللحظات التي تسبق النوم مرعبة ومزعجة إلى حد لا يسمح للنوم بالمجيء، لهذا لم أنزعج من تعليقات زملائي على السواد الذي يحيط عيني.

في آخر مرة تفقدتها لم تتعد أصابع اليد الواحدة، باهتة واهنة، ولست أدري بهذا الخصوص هل يمكنها الصمود، كما لست أدري هل أنا وحدي في هذا الأمر أم أن الجميع يمر بما مررت به، كما لست أدري أيضا هل بمقدوري العيش من دونها؛ لأن والدي ذات مرة وأنا صغير، صغير جدا قال لي:
لا يمكننا العيش بلا أحلام.

محمد الخضر المحوري