ٱراء واتجاهات


الحرية حتمية تاريخية.

السبت - 26 أكتوبر 2024 - الساعة 09:40 م

الكاتب: د . أنور الرشيد - ارشيف الكاتب




تحدثت لكم في مقال الأمس عن أهمية الحرية في المجتمعات، وأوردت مثالا يتعلق بالابتكارات والاختراعات والإبداعات من خلال مؤشر الابتكار العالمي الذي ينشر عدد ما تنتجه المجتمعات من ابتكارات جديدة، وذكرت بأنها مجتمعات حرة؛ وبالتالي الحرية هي من تحفز على الإبداع والابتكار، وذكرت لكم منها الصين رغم أنها دولة حكم الحزب الواحد، وليس دولة ديمقراطية، ولكن بها حرية اقتصادية واجتماعية، وليس بها حرية سياسية مثلها مثل بعض المجتمعات بها حريات اجتماعية واقتصادية ولكن ليس بها حرية سياسية، ومع ذلك قفزت قفزات رائعة لا أنكر ذلك، وهنا نجد أنفسنا أمام عدة نماذج لإدارة المجتمعات:
النموذج الأول: به حريات اجتماعية وسياسية واقتصادية.
والنموذج الثاني: به حرية اجتماعية واقتصادية ولكن ليس به حرية سياسية.
أما النموذج الثالث فليس به لا حرية سياسية ولا اجتماعية ولا اقتصادية مثل النموذج الطالباني.

والنموذج الثاني قد ينجح فترة من الزمن، ولكن بعد ذلك سيتحول للنموذج الأول كحتمية طبيعية، أما النموذج الثالث فهو النموذج الكارثي الذي ليس به لا حرية اجتماعية ولا سياسية ولا اقتصادية، وهذه النوعية من المجتمعات غالبًا ما تكون مجتمعات غير مستقرة تظهر بها علامات التذمر المجتمعي كلما سنحت لها الفرصة بذلك، وبعنف يتسبب بآلام شديدة للمجتمع.

ما نشاهده في النموذج الصيني سيأتي يومًا ما تتحرك الطبقة الوسطى التي اتسعت بشكل كبير جدًّا خلال السنوات العقود الثلاثة الماضية، وقريبًا ستشكل تلك الطبقة الغالبية العظمى من التعداد السكاني الصيني، وإن كانت القبضة الأمنية اليوم شديدة عليها ولا زالت تمسك بزمام الأمور فالمؤكد والأمر الحتمي ستطالب تلك الطبقة يوما ما بتغيير المعادلة، وهذا ما يجعل المجتمعات التي لا تتمتع بالحرية مجتمعات وإن كان ظاهرها مجتمعات مستقرة إلا أن الحتمية التاريخية تفرض نفسها في النهاية لسبب بسيط وهو أن الإنسان مهما كان يتمتع بحريات إلا أن حرية الرأي والتعبير تظل هي الحرية التي قد تكتمها بعض الوقت، ولكن من المستحيل تكتمها طول الوقت.

المجتمعات الذكية التي استطاعت أن تصل لمرحلة الحريات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وصلتها بشق الأنفس، ومن خلال بحور من الدماء، وقرون ضاعت على البشرية دون أن تستفيد منها، ولكنها في النهاية احترمت حرية شعوبها وسمحت بها وقننتها في أطر قانونية ودستورية تنظمها.

السؤال هنا ما هو نموذج مجتمعات منطقتنا؟