السبت-18 يناير - 03:23 ص-مدينة عدن

نتنياهو مكرها دون "صورة نصر" هل ينقض الاتفاق بمرحلته الثانية؟

السبت - 18 يناير 2025 - الساعة 12:12 ص بتوقيت العاصمة عدن

فلسطين " عدن سيتي " زهير حمداني : متابعات





منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، تتالت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بأن الحرب لن تنتهي إلا بتدمير حركة حماس في غزة، ومع بداية عام 2025 كان ينتظر مرغما رد حماس على اقتراح وقف إطلاق النارفي غزة ليقبل به أخيرا. وما بينهما ماطل كثيرا وارتكب جرائم غير مسبوقة في غزة جعلته ملاحقا دوليا.
وطوال 15 شهرا، كان نتنياهو العقبة الرئيسة أمام أي اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، محكوما بنزعة ثأر من ضربة "طوفان الأقصى" ومحاولة استعادة للردع الذي فقدته إسرائيل، ومهووسا بأجندة يمينية متطرفة، وأوهام كسر إرادة المقاومة واحتلال غزة، وبمخطط للتهجير وتشكيل "شرق أوسط جديد" ينطلق من غزة.
ويطرح الإعلام الإسرائيلي أسئلة كثيرة عن إصرار نتنياهو على مواصلة عدوانه على غزة، وهدم كل مبادرات وقف إطلاق النار ثم الموافقة أخيرا على اتفاق لا يختلف عما طرح سابقا "وكان من الممكن التوصل إليه قبل أشهر، عندما كان بعض الرهائن الذين قتلوا أو خلال الصيف ما زالوا على قيد الحياة" كما يقول الكاتب أمير تيبون في صحيفة هآرتس (16 يناير/كانون الثاني).
كما يرى الكاتب في صحيفة يديعوت أحرونوت رون بن يشاي (16 يناير/كانون الثاني) أن الصفقة التي تأخرت، وتلكأ فيها نتنياهو، هي في النهاية "أفضل ما يمكن التوصل إليه في ظل الظروف الحالية، والعيب الرئيسي فيها أنه لم يتم التوصل إليها في وقت سابق، خلال صيف 2024".
وتذهب معظم التحليلات الإسرائيلية إلى أن الاجتماع الذي عقده نتنياهو مع ستيف ويتكوف (المبعوث الخاص للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط) كان فاصلا لكي يذعن رئيس الوزراء الإسرائيلي ويتنازل عن كل الخطوط الحمر التي وضعها على مدى 15 شهرا.
وفي هذا السياق، يقول الكاتب أرييل كاهانا في صحيفة "إسرائيل اليوم" (17 يناير/كانون الثاني) منتقدا توقيع الاتفاق دون تحقيق أي من الأهداف المعلنة "إن السبب الوحيد الذي دفع نتنياهو إلى توقيع الاتفاق هو ترامب، ومع ذلك لا يزال من غير المقبول أن ينتهي الوعد بالنصر الكامل إلى صفقة استسلام محرجة".
ولا يشير المحللون الإسرائيليون إلى أن العامل الأساسي -الذي ضغط على ترامب ونتنياهو معا- كان صمود أهل غزة ومقاومتها، وتآكل خيارات نتنياهو العسكرية مما أدى إلى إذعانه أخيرا والنزول من أعلى الشجرة التي اعتلاها.
نتنياهو (يمين) تعرض لضغوط كبيرة من ترامب للموافقة على اتفاق وقف النار (رويترز)
بلا نصر أو صورة
يقول الكاتب يوسي يهوشوا في صحيفة يديعوت أحرونوت (16 يناير/كانون الثاني) "ليست هناك حاجة إلى تجميل الواقع، إن وقف إطلاق النار الناشئ، واتفاقية إطلاق سراح الأسرى سيئان لإسرائيل، لكن ليس لديها خيار سوى قبولهما".
وما لم يحسب له نتنياهو حسابا في حربه الوحشية على غزة أنه لن يكسب صراع الإرادات مع الشعب الفلسطيني، مهما كان حجم آلة الدمار الإسرائيلية، وهي معادلة ثابتة في تاريخ الصراع لم يستوعبها نتنياهو.
فقد أظهرت غزة ومقاومتها مجددا أنها قادرة على تحمل الحرب الشاملة الأكثر عدوانية ووحشية في التاريخ، وعدم التزحزح عن الأرض حتى بعد ألقت إسرائيل بكل ما تملكه من وسائل الدمار وأدواته بشكل لم يسبق له مثيل.
وما لم يفهمه نتنياهو أن خسائر الشعب الفلسطيني الموجعة -في حرب أرادها محاولة إبادة- وتضحياته الكبيرة التي كان يظنها طريقا إلى التسليم، عززت إرادة المقاومة بشقيها العسكري والسياسي، ودعمت إرادة الصمود والنفس الطويل، واجتراح تكتيكات عسكرية فعالة وناجعة، تبعها إدارة متمكنة للمفاوضات دون تنازلات تحقق أحلام نتنياهو.
فقد كان جيش الاحتلال يتصور أنه أنهى المقاومة في بيت حانون (شمالي غزة) -التي كانت أول مدينة يحتلها بالقطاع بداية عدوانه- لكنها أصبحت فخا مميتا لقوات الاحتلال، إذ قتل فيها 55 ضابطا وجنديا، بينهم 15 في الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني الجاري، وهو ما يجعل "وعود نتنياهو وحكومته بهزيمة حماس والقضاء عليها تبدو جوفاء أكثر من أي وقت مضى" وفق الكاتب عاموس هاريل بصحيفة هآرتس (17 يناير/كانون الأول).
ورغم أن إسرائيل ألقت قنابل على غزة -بما يساوي تقريبا 3 قنابل نووية كالتي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما اليابانية عام 1945- تحولت غزة إلى مصيدة للجيش الإسرائيلي وآلته الحربية وكبار ضباطه، ولخطط نتنياهو وأوهامه في النصر.
ويرى يائير أسولين الكاتب بصحيفة هآرتس (16 يناير/كانون الثاني) في تعليقه على ضرورة الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار "حتى لو غزونا الشرق الأوسط بأكمله، فلن نفوز بهذه الحرب" وهي المعادلة التي أذعن لها نتنياهو بدروس الورطة العسكرية في غزة.
فبعد الحرب الوحشية، التي جعلته مجرما مطاردا من المحكمة الجنائية الدولية، يُجبر نتنياهو على توقيع اتفاق يلغي عمليا مشاريع كبرى كان يضمرها لغزة راودته وحكومته اليمينية منذ بداية الحرب، بينها الاحتلال الدائم للقطاع وتقطيع أوصاله بحاجز نتساريم شمالا وجنوبا، ثم إخلاء مناطق شمال وادي غزة وتحويل محافظة الشمال (بيت حانون وجباليا وبيت لاهيا) إلى مناطق عازلة، وشملت أيضا محاولة فاشلة لتهجير سكان القطاع والقضاء على المقاومة والتحكم الكامل في مستقبل القطاع.
وكانت المقترحات التي وافق عليها نتنياهو (وفده في الدوحة) الأربعاء 14 يناير/كانون الثاني، ثم المجلس الوزاري المصغر -بعد 3 أيام- هي نفسها تقريبا التي رفضها رغم الدعم الأممي والدولي، بما فيه الأميركي لها في مايو/أيار 2024 بفائض من الحسابات الواهمة التي وضعها في مخططاته.
وقد يعيد الاتفاق ما بقي من الأسرى الإسرائيليين في غزة -بعد أن قتل القصف الإسرائيلي الكثير منهم- لكن أهداف نتنياهو، وبينها تدمير حماس لم يتحقق، بل ازدادت قوة، كما أن "اتفاق وقف إطلاق النار سيحرّر لها قيادة جديدة من داخل السجون الإسرائيلية عبر إطلاق سراح أفرادها إلى قطاع غزة" وفق ليلاخ شوفال المراسلة العسكرية للقناة الـ12 الإسرائيلية.
الجيش الإسرائيلي تكبد خسائر فادحة في غزة دون تحقيق أهداف حربه الوحشية على القطاع (رويترز)


أوهام النصر وجرد الخسائر

ليست ضغوط ترامب فقط التي دفعت نتنياهو إلى التحول "من القتال مثل أسد إلى السقوط مثل ذبابة’" وفق الكاتب الإسرائيلي يوسي ميلمان، فهناك قائمة طويلة من الأسباب والعوامل التي دفعته إلى ذلك بضغط من المقاومة وصمودها الذي لم يكن يتصوره، ومن أهمها:
استنفاد إسرائيل كل الخيارات العسكرية الممكنة دون تحقيق الأهداف وخصوصا تدمير المقاومة التي اتضح أنها تجدد نفسها.
تأكد الرأي العام الإسرائيلي من أنّ الحرب تنتهي من دون تحقيق أي من أهدافها الرئيسية
بات الجيش الإسرائيلي يستنزف بشكل يومي مع تواصل العمليات الحربية دون جدوى عسكرية.
الخسائر الفادحة التي تكبدها الجيش الإسرائيلي في جبهات الحرب المختلفة دون تثبيت أي منها.
استمرار المعارضة الداخلية الواسعة لتواصل الحرب وانقسام مجتمعي أفقي وعمودي.
نشوب صراع بين الجيش والحريديم الذين يرفضون الخدمة، بين العلمانيين والمتدينين القوميين.
تحول الرأي العام الدولي ضد إسرائيل بشكل لافت ومؤثر.
تشكل جبهة عالمية واسعة مساندة لفلسطين على المستوى الشعبي والرسمي.
باتت إسرائيل في قفص الاتهام أمام العدالة الدولية أكثر من أي وقت مضى.
أصبح الجنود والضباط الإسرائيليون ملاحقين في أي مكان، بفعل نشاط مؤسسات ومنظمات، وبينها "مؤسسة هند رجب".
باتت هناك هجرة معاكسة غير مسبوقة لليهود بفعل سقوط نظرية الأمان التي بنت عليها إسرائيل سرديتها.
بات نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت ملاحقين بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وقضية إبادة جماعية مستمرة في محكمة العدل الدولية.
تمزقت الصورة الواهية التي حاولت إسرائيل ترسيخها كدولة غربية ديمقراطية ليبرالية، في نظر الرأي العام العالمي بشكل لا يمكن رتقه.
الخسائر الاقتصادية غير المسبوقة التي بلغت أكثر من 34 مليار دولار وفق تقارير رسمية.
ويبقى نتنياهو عالقا بين الخسائر التي تكبدها ويقينه باستحالة تحقيق النصر مع صمود المقاومة، والوعود المتضاربة التي قطعها لوزراء اليمين المتطرف في حكومته: بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وخوفه من خروجهما من الائتلاف الحاكم وبالتالي سقوطه، ولعائلات الأسرى والمحتجزين، وتعهداته لترامب التي يصعب نقضها، خصوصا في المرحلة الأولى من الاتفاق.
بن غفير (يسار) وسموتريتش رفضا اتفاق وقف النار في غزة (رويترز)


مخاوف المرحلة الثانية


ويرى الكاتب عاموس هاريل في صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق مع حماس، بعد 42 يوما من سريان وقف إطلاق النار، قد يؤدي إلى مزيد من العقبات مقارنة بالمرحلة الأولى، متسائلا عن مدى وفاء نتنياهو بتطبيق كامل الاتفاق.
ويتوقع محللون أن تظهر تلك العراقيل -التي قد يصنعها نتنياهو- بمجرد بدء المفاوضات المتعلّقة بشروط تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي يفترض أن تشهد وقفا دائما لإطلاق النار وانسحابا نهائيا للجيش الإسرائيلي من الشريط الحدودي المتاخم لقطاع غزة.
وفي هذه المرحلة، يمكن أن يربط نتنياهو الوقف الدائم لإطلاق النار والانسحاب النهائي من القطاع بشروط تعجيزية، كالإصرار على عدم عودة حماس للسيطرة على القطاع الذي سيطالب بتسليم إدارته مؤقتا لسلطة عربية ودولية مشتركة، حسب الكاتب أمير تيبون بصحيفة هآرتس.
ويخشى نتنياهو -وفق تحليل تيبون- أن تنسحب الأحزاب اليمينية المتطرفة بقيادة وزير المالية سموتريتش ووزير الأمن بن غفير من ائتلافه الحاكم جراء توقيع الاتفاق، وهو ما سيسقط الائتلاف الحاكم وسيفقده السلطة ويقربه من المحاكمة، ولذلك يبذل كل ما في وسعه لإقناعهم بالبقاء.
ويطالب هذان الوزيران بإنهاء الصفقة قبل تنفيذ مرحلتها الثانية، والتي من المفترض أن تشمل إطلاق الأسرى الذين تقل أعمارهم عن 50 عاماً والمحتجزين حاليا في غزة، ثم جثث القتلى. وكان سموتريتش قد أكد أنه إذا تم تنفيذ الاتفاق فإن حزبه "الصهيونية الدينية" سوف ينسحب من الحكومة.
وتتأتى هذه المخاوف أيضا من تصريحات مسؤولين إسرائيليين مثل سكرتير الحكومة يوسي فوكس الذي أكد أن الاتفاق "يتضمن خيار استئناف القتال نهاية المرحلة الأولى إذا لم تتطور المفاوضات بشأن المرحلة الثانية على النحو الذي يضمن تحقيق أهداف الحرب: الإبادة العسكرية والمدنية لحماس والإفراج عن جميع الرهائن".
ويشير تيبون إلى أن نتنياهو وأنصاره أفصحوا عن نواياهم بوضوح "وهم يريدون إفشال الجزء الثاني من الصفقة وتجنب الالتزام بإنهاء الحرب" لكن الحرب الإسرائيلية وإن تجددت تبدو بلا أفق عسكري أو سياسي، كما أن الرئيس الأميركي الجديد ليس في الوارد أن يسمح لنتنياهو بإفشال الإنجاز الذي بدأ به عهدته الثانية في البيت الأبيض والتي يزمع أن يركز فيها على ملفات أخرى.
ويدرك نتنياهو أيضا أن مغامرته الدموية مع الشعب الفلسطيني ومقاومته في غزة قد باءت بالفشل الذي سيستمر بشكل أكثر وضوحا إذا أجهض الاتفاق، كما أن صمود غزة خلال 15 شهرا من العدوان بات علامة فارقة وتاريخية لها ما بعدها في الصراع، رغم الآلام والخسائر التي لم تمنع الفرح باتفاق لوقف النار فرضوه بإرادتهم وصمودهم وتضحياتهم.
المصدر : الجزيرة

متعلقات