إيران: التفاوض أو المخاطرة بالحرب
الهجمات ضد الحوثيين أضفت مصداقية على تحذير ترامب المبطن بأنه إذا لم يتم إحراز تقدم في وقف وتراجع التقدم النووي الإيراني ـ الذي يبدو أنه أوصل البلاد إلى عتبة امتلاك الأسلحة النووية ـ فإن الولايات المتحدة أو إسرائيل، أو كلاهما، قد تنفذ ضربات عسكرية مدمرة ضد المنشآت النووية الإيرانية. سعت إدارة ترامب إلى تعزيز الرسالة بأنها مستعدة لضرب البرنامج النووي الإيراني من خلال إجراء تدريبات جوية مشتركة مع إسرائيل، شاركت فيها قاذفة أمريكية من طراز B-52 – القادرة على حمل قنابل تخترق المنشآت النووية الإيرانية تحت الأرض وطائرات إسرائيلية من طراز F-15I وF-35I، حيث مارست التنسيق العملياتي… لتعزيز قدرتهم على التعامل مع… التهديدات الإقليمية.
وتدرك إيران أن قدرتها على التصدي لضربة إسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدة قد تضاءلت بشكل كبير منذ أن دمرت إسرائيل أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطورًا في إيران خلال ضربة في أكتوبر 2024.إذن، رغم أن لدى إدارة ترامب العديد من عناصر استراتيجية متماسكة تجاه الشرق الأوسط، إلا أن هناك الكثير مما قد يسوء في سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة. كيف يمكن أن يحدث ذلك؟
بدايةً، قد يكون من الصعب كبح جماح الحوثيين على الرغم من حملة عسكرية مطوّلة. وربما تتحدى طهران واشنطن برفض التفاوض بشأن برنامجها النووي ما لم تبدأ الولايات المتحدة بتخفيف العقوبات. يمكن أن تجبر هذه السيناريوهات البيت الأبيض على تصعيد عملياته بشكل كبير ضد الحوثيين، وربما اللجوء إلى هجوم عسكري واسع على إيران أو التراجع والظهور بمظهر الضعف. وقد تنهار الجهود الرامية إلى تعزيز الاستقرار في لبنان وسوريا، مما يجعل البلدين عرضة لتجدد التدخل الإيراني ونشاط حزب الله. وقد تتحول غزة إلى مستنقع طويل الأمد لإسرائيل ومصدر رئيسي للتوتر يعوق جهود الولايات المتحدة في تعزيز التعاون الأقوى مع الشركاء الإقليميين. [ 8] أمن دولي ـ النهج التصعيدي لترامب بالضربات العسكرية وحسابات إيران
استراتيجية ترامب في الشرق الأوسط تتمحور حول إبرام صفقة مع إيران
يقول مستشار لخامنئي : “لن يكون أمامنا خيار سوى الحصول على أسلحة نووية إذا تعرضنا لهجوم”، وحذر مستشار للمرشد الأعلى بأن إيران “ستضطر إلى الحصول على سلاح نووي” إذا تعرضت لهجوم من قبل الولايات المتحدة أو أحد حلفائها. وفي هذا السياق، استدعت وزارة الخارجية الإيرانية القائم بالأعمال في السفارة السويسرية ، التي تمثل المصالح الأمريكية في إيران ، عقب تهديدات الرئيس الأمريكي. وقال الجنرال أمير علي حاجي زاده، وهو قائد رفيع في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني: “الأمريكيون لديهم على الأقل 10 قواعد في المنطقة المحيطة بإيران، ولديهم 50 ألف جندي”. وأضاف وهالمسؤول عن برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني: “من يكون في غرفة زجاجية، لا يجب أن يرمي الآخرين بالحجارة”. [9]
إيران : لا خيار’ سوى الحصول على أسلحة نووية إذا تعرضت لهجوم
منذ توليه منصبه في يناير 2025، أعاد ترامب تطبيق سياسة “الضغط الأقصى”، والتي شهدت خلال فترته الأولى انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق تاريخي بشأن البرنامج النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات على طهران. الاحتكاكات بين الولايات المتحدة وإيران تتزايد دون وجود أي مؤشر على بدء مفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، مع تهديد من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشن هجوم إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق. حالة الجمود المستمرة تزيد من خطر وقوع مواجهة عسكرية مباشرة في الشرق الأوسط المتوتر بالفعل.
لكن رغم ذلك الدول الأوروبية تحث إيران على الدخول في محادثات لمعالجة المخاوف بشأن تقدم برنامجها النووي. في ظل حالة عدم اليقين، من غير المعروف ما إذا كانت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران ستزداد. فمواجهة عسكرية شاملة لن تزعزع استقرار الشرق الأوسط فقط، بل ستؤثر مباشرة على السياسة الخارجية الأمريكية في ظل رئاسة ترامب الثانية.[10]
الرئيس الإيراني:” إيران مستعدة للدفاع عن أراضيها بعد إنذار ترامب” قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إن إيران مستعدة للرد على أي هجوم أمريكي، مضيفًا أن بلاده لن تقبل الإنذارات التي تصدر عن إدارة ترامب فيما يخص المحادثات النووية. [11]
رئيس البرلمان الإيراني: ” القواعد الأمريكية ستُضرب إذا هاجم ترامب إيران“
قال رئيس البرلمان الإيراني يوم 28 ابريل 2025 إن طهران ستضرب القواعد الأمريكية في المنطقة إذا نفذت واشنطن تهديدها بعمل عسكري ضد إيران في حال عدم التوصل إلى اتفاق نووي جديد.وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت سابق من هذا الشهر إنه بعث برسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، محذرًا من أن “هناك طريقتين يمكن التعامل بهما مع إيران: عسكريًا، أو عبر التوصل إلى اتفاق”.
وقال رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف: “إذا هاجم الأمريكيون إيران، فإن المنطقة بأكملها ستنفجر مثل شرارة في مستودع ذخيرة”. وأضاف: “قواعدهم وقواعد حلفائهم لن تكون آمنة”. جاءت تصريحاته في خطاب مباشر خلال يوم القدس السنوي أواخر شهر مارس 2025. وصف خامنئي رسالة ترامب بأنها خادعة، وقال وزير الخارجية عباس عراقجي في أعقاب ذلك،إن المحادثات مستحيلة ما لم تغير واشنطن سياستها القائمة على “الضغط الأقصى” و أن إيران درست رسالة ترامب بدقة وأرسلت “ردًا مناسبًا عبر سلطنة عمان”.[12]
العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية وفرص التهدئة
تتمتع إيران بالقدرة على تنفيذ ضربات ضد أهداف بعيدة عن منطقة الخليج باستخدام سفن مزودة بأسلحة طويلة المدى وعبر تفعيل وكلاء حول العالم. وبعبارة بسيطة، فإن رد إيران قد يكون عقابيًا ودمويًا جدًا، مع احتمال حقيقي في جر دول الخليج التي تستضيف قوات أمريكية، بالإضافة إلى أصحاب المصالح المعتمدين على الطاقة من المنطقة، إلى صراع أوسع. كانت التصعيدات تقتصر على ضربة وردّ. وبعد ذلك، توقف الجميع عن التصعيد. هذا قد يكون الحال في هذه الحالة أيضًا، لكن محاولة سحق البرنامج النووي الإيراني عسكريًا تمثل مستوى تصعيد آخر تمامًا، لذلك من غير الممكن التنبؤ بمدى التصعيد وسرعته.
هل ستشارك إسرائيل في ضربة ضد إيران؟
القوة الجوية الإسرائيلية وقدراتها العسكرية الأخرى ستكون ذات قيمة كبيرة، لكن إشراكها سيزيد على الفور من حدة الوضع المتفجر أصلًا. حتى الآن، لا شيء واضح. ترامب مقرب جدًا من نتنياهو، ومن الواضح أن الإدارة الحالية في القدس سترغب بشدة في المساعدة في القضاء على أخطر قدرات خصمها الأكبر إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لتولي القيادة. رغم أن سلاح الجو الإسرائيلي قوة ذات خبرة ومجهزة بشكل جيد، إلا أنه لا يستطيع تحقيق نفس النتائج في ما يتعلق بضرب البرنامج النووي الإيراني باستخدام القوة الجوية وحدها دون تدخل مباشر من الولايات المتحدة.[13]
التحذيرات الإيرانية المتبادلة بشأن الخليج
عندما كانت إيران في أكتوبر 2024 تستعد لرد إسرائيلي على هجومها الصاروخي المباشر الثاني على إسرائيل، حذّرت دول الخليج من أنها ستقصف منشآتها النفطية ردًا على أي ضربة إسرائيلية. تلك التحذيرات المبنية على أساس المعاملة بالمثل سمحت لإيران بردع ضربة إسرائيلية ضد منشآتها للطاقة في ذلك الوقت. ومع ذلك، إذا استخدمت الولايات المتحدة “قاعدة دييغو غارسيا” لمهاجمة إيران، فيمكنها تجنب المجال الجوي لدول الخليج تمامًا. هذا يمنح إيران خيارات أقل لردع الضربات الأمريكية أو الإسرائيلية من خلال التهديد بضرب الخليج. وكانت إيران وراء الهجوم الذي وقع عام 2019 على منشآت النفط التابعة لأرامكو السعودية. لكن إيران والممالك الخليجية السنية قد أصلحت العلاقات منذ ذلك الحين. أمن دولي ـ هل بدات الحرب على إيران؟
قال بهنام بن طالبلو، الخبير في الشأن الإيراني لدى مركز “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” في واشنطن، على منصة X، إنه على الرغم من أن مدى الصواريخ الباليستية الإيرانية محدد علنًا بـ2000 كيلومتر، إلا أنه يمكن لإيران أن تضرب الجزيرة من خلال تزويد الحوثيين بصواريخ باليستية متوسطة المدى قد تكون قادرة على إنتاجها، أو من خلال إطلاق طائرات مسيّرة من طراز شاهد من السفن، أو باستخدام صواريخ كروز تُطلق من حاويات، وهي من إنتاج روسيا والصين، للهجوم من المحيط الهندي.[14]
جماعات مسلحة عراقية تُصدر إنذارًا لترامب بشأن القوات الأمريكية
قال مسؤول كبير في مجموعة عراقية مسلحة، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يجب أن يفي بالتزام سلفه بسحب القوات من البلاد بحلول نهاية العام، وسط سلسلة من التصعيدات التي أعادت الشرق الأوسط مرة أخرى إلى حافة صراع أكبر. وقال فراس الياسر، عضو المجلس السياسي ل “حركة النجباء” : “ترامب مُلزَم بسحب قواته من العراق بحلول نهاية عام 2025، ويجب عليهم الالتزام بوعودهم للحكومة العراقية”، هكذا نحن نعلم أن القوات الأمريكية المحتلة لا يمكنها الصمود أمام ضربات المقاومة المتقدمة والحديثة”.
تعد حركة النجباء جزءًا من مظلة الفصائل العراقية التي تعمل تحت راية “المقاومة الإسلاموية في العراق”. ويشمل هذا التكتل الائتلاف الأوسع المعروف بـ”محور المقاومة”، المتحالف مع إيران، والذي تدخل نيابة عن حركة حماس الفلسطينية في حربها مع إسرائيل، والتي سُميت بـ”طوفان الأقصى”. وعلى الرغم من أن الفصائل العراقية قد أوقفت إلى حد كبير حملتها من الهجمات الصاروخية ضد القوات الأمريكية منذ فبراير 2024، إلا أن التوترات التي تشمل كلًا من الولايات المتحدة وإسرائيل قد اشتعلت مجددًا في الأسابيع الأخيرة.
وجاءت تصريحات الياسر بعد أيام فقط من كشف وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن بغداد تلقت مؤشرات على خطط إسرائيلية وشيكة لضرب البلاد. وقال حسين مطلع شهر أبريل 2025 إن الخطر الفوري قد تم تجنبه، لكن تهديد العمل العسكري الإسرائيلي لا يزال قائمًا. وأكد رئيس الوزراء السوداني (محمد شياع السوداني) على الشراكة الدائمة بين الولايات المتحدة والعراق ضد داعش، مع التأكيد على أن “خفض التصعيد والحوار هما الوسيلتان الأكثر فاعلية لمعالجة الأزمات في منطقة حساسة وحيوية مثل الشرق الأوسط”، وفقًا لما جاء في بيان صادر عن مكتبه.
لكن الياسر حذّر من أن “ترامب ارتكب خطأً فادحًا في عملياته العسكرية ضد الشعب اليمني، وكذلك في إعطائه الأوامر للكيان المحتل لاستئناف عملياته ضد الفلسطينيين في غزة، لأن هذا كشف للعالم أن أمريكا لا تلتزم بوعودها، وأن قادتها لا يمكن الوثوق بهم”. [15]أمن دولي ـ دوافع الاهتمام الأمريكي بالصومال في ظل تهديدات الحوثيين للبحر الأحمر. ملف
تقييم وقراءة مستقبلية
هل سيوجه ترامب ضربة عسكرية لإيران؟
ـ يسعى ترامب إلى تعزيز صورته كرئيس قوي ماقبل انتخابات 2028. إن أي تصعيد كبير قد يواجه معارضة من الكونغرس، خاصة من الديمقراطيين وبعض الجمهوريين المتشككين في جدوى الحرب.
ـ من الواضح أن لدى واشنطن القدرة على تنفيذ ضربات دقيقة، لكن تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل صعب للغاية نظرًا لانتشاره في منشآت تحت الأرض. وهناك مخاوف أمريكية من انتقام إيراني واسع النطاق، سواء عبر ضربات مباشرة أو هجمات تشنها أذرع إيران :حزب الله، الحوثيون، والجماعات المسلحة العراقية.
ـ أما إسرائيل، فهي تدفع بقوة نحو العمل العسكري، لكنها قد تواجه تحفظات من دول خليجية تخشى التصعيد المباشر. يبقى الموقف الأوروبي رافضًا للحل العسكري، ويفضل المسار الدبلوماسي، بينما تحاول الصين وروسيا عرقلة أي تحرك أمريكي عبر مجلس الأمن، لكن تأثيرهما الفعلي محدود في حال قررت واشنطن التحرك منفردة.
ـ احتمالات الضربة العسكرية الأمريكية ضد إيران، سيناريو ضربة أمريكية واسعة ضد إيران ،باستهداف منشآت تخصيب اليورانيوم في نطنز وفوردو، ومواقع إنتاج الصواريخ والمسيرات. وتنفيذ هجوم متزامن على مواقع الحرس الثوري للحد من قدرة إيران على الرد الفوري. هذا السيناريو يحمل مخاطر تصعيد إيراني كبير، مثل قصف القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، أو استهداف إسرائيل مباشرة.
ـ سيناريو ضربات محدودة ضد منشآت معينة، استهداف مواقع نووية محددة دون توجيه ضربات واسعة.مع تنفيذ عمليات سيبرانية لتعطيل البرنامج النووي الإيراني، كما حدث في هجوم ستوكسنت 2010.هذا السيناريو يقلل من خطر اندلاع حرب شاملة، لكنه قد يدفع إيران إلى تسريع تخصيب اليورانيوم بدلًا من التراجع.
ـ سيناريو تصعيد الضغط بدون ضربة عسكرية، استمرار التصعيد الكلامي والتهديدات لإجبار إيران على تقديم تنازلات دبلوماسية وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية كبديل للحرب. هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحًا إذا نجحت الجهود الأوروبية في التهدئة أو أظهر الرأي العام الأمريكي معارضة للحرب.
ـ الموقف الإيراني ورد الفعل المتوقع، من المتوقع إن إيران لن تقدم تنازلات جوهرية، لكنها قد تتجنب الرد العنيف لتجنب حرب مفتوحة. في حال وقوع هجوم، من المرجح أن يكون رد طهران عبر وكلائها بدلًا من مواجهة مباشرة. وقد تهدد إيران بإغلاق مضيق هرمز، مما قد يؤدي إلى أزمة نفطية عالمية وضغوط دولية على واشنطن لوقف التصعيد. إن نشر قاذفات أمريكية جديدة أو تحركات غير معتادة في الخليج، فقد تكون مؤشرات مبكرة على نية الضربة.
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ألمانيا وهولندا ECCI
بون جاسم محمد، باحث في الأمن الدولي ورئيس المركز الأوروبي ECCI
