نجمتنا اليوم بنت الشيخ عثمان نجلاء شمسان

الأحد - 21 يوليه 2024 - الساعة 10:56 ص بتوقيت العاصمة عدن

عدن " عدن سيتي " د عمر السقاف






من مواليد الشيخ عثمان بعدن، في الواحد والثلاثين من آب/ أغسطس 1950، البنت الأولى بعد ثلاثة من الذكور، كانت مدللة والدها. “كان هو حبيبي وكل حياتي”، تقول نجلاء.
كبرت نجلاء في حارة الهاشمي، تصفها بأنها حارة جميلة، أناسها طيبون، أشبه بأفراد عائلة واحدة. في طفولتها كانت نجلاء تميل إلى ألعاب الذكور العنيفة، وتستهويها الموالد الدينية، غير أن أغرب هواياتها كانت زيارة أقسام الشرطة.
تروي ضاحكة، “عند كل مشكلة تقع في الحي كنت أرافق المختصمين إلى قسم الشرطة، طفلة لا أجاوز العاشرة، يعرفني الجميع هناك، ضباط وعساكر”.
درست نجلاء الابتدائية في مدرسة الميدان في كريتر، وكانت دائما ضمن الأوائل في الصف. ”تعلمتُ في البيت مبادئ القراءة والكتابة والأناشيد قبل سن خمس سنوات، كما أن أداء المدرسات كان بديعًا. لديهم عطاء وحب للمهنة، ربما لأن حقوقهم كانت مضمونة فلا يعيشون في قلق، أما مدرس اليوم فبلا حقوق“.
وفي عمر الرابعة عشرة، وخلال دراستها في المرحلة الإعدادية، دخلت نجلاء عالم التلفزيون. ”أذكر أن مدرّساتي في الصف، عديلة بيومي وفوزية غانم، كانتا تأخذاني إلى التلفزيون، وهناك قدمت أدوارا في مسلسلات مثل الجدة رحمة وزنوبة الحلا“. وعلى مسرح المدرسة، تابعت نجلاء شغف التمثيل، وكانت تميل دومًا إلى أدوار الجدة. ”تأثرت كثيرًا بشخصية جدتي لولة، كانت ذكية، جميلة، أنيقة، تعشق العطور والألوان الزاهية“.
لم تكن الأناقة والجمال وحدهما ما شد نجلاء إلى جدتها. كانت الجدة لولة ذات شخصية قوية، أمرها مطاع، حضورها تجلله الهيبة والوقار، فكبرت نجلاء تبهرها القوة والنفوذ.
حمامة الثورة
ولم تزل طفلة بعد، شاركت نجلاء في ثورتي سبتمبر 1962 و 14 أكتوبر 1963. ”كنت في عمر 12 عاما، كلفتني مدرساتي اللاتي شاركن في العمل الثوري بإيصال الرسائل التي تحدد موعد المظاهرات، ومسار التحركات. كنت كتومة، حذرة، أنجح دومًا في إيصال الرسالة بسلام، فكانوا يطلقون علي لقب الحمام الزاجل“.
بعد تخرجها من الثانوية انضمت في العام 1972 إلى اتحاد نساء اليمن، وكانت مسؤولة عن جانب القضايا الاجتماعية، إحدى القضايا التي تولت حلها، زوجة رجل عسكري، ضربها بعنف، ومنعها الخروج، لكن نجلاء تمكنت من إخراجها وإيصالها إلى المستشفى، ثم صعّدت القضية إلى الرئيس سالمين (سالم ربيع علي)، الذي استدعى الرجل وأمر بمحاكمته محاكمة عسكرية، وتجريده من رتبته، وسجنه ثلاث سنوات. قصة جميلة يوم أن كان للعنف ضد النساء عقاب رادع.
في 1974 تركت نجلاء اتحاد نساء اليمن. تقول: “بقيت مع الاتحاد بصفته مؤسسة نسائية، لكني لم أعد فاعلة في الجانب الاجتماعي لأسباب كثيرة لا ضرورة لذكرها”.
روضة أروى
في منتصف العام 1974، وبعد أن غادرت اتحاد نساء اليمن، اتجهت نجلاء صوب الأطفال. “في كل دولة أسافر إليها، كنت أطلب زيارة رياض الأطفال هناك، آمنت حينها أن الطفولة لدينا كانت محرومة”، خطرت لها فكرة إنشاء رياض أطفال، وعرضت الفكرة على الرئيس سالمين، قال: “لا توجد الآن ميزانية، انتظري”. لكن نجلاء لم تنتظر، وقررت أن تبدأ.
وجدت مبنى في حي الشيخ عثمان، كان مقرا للأحداث، ثم تُرك مهجورًا بعد نقلهم إلى مقر آخر، قررت أنه المكان الأنسب لتنفيذ مشروعها. “أعطى الرئيس سالمين توجيهاته بتخصيص المبنى لرياض الأطفال، ثم سألني: هل تقدرين على إصلاح المكان. قلت أقدر. وبدأنا العمل”.

وضعت نجلاء برنامجًا دقيقًا، خطة لبدء العمل والجهات التي يمكن أن تحصل منها على الدعم. “كنت أجتمع بالمقاولين، وأقسّم المهام بينهم. كما فتحنا باب التسجيل قبل انتهاء العمل، كي نحدد الأهالي القادرين على مساعدتنا، كنا نختار منهم الدهّان والنجّار ونطلب منهم المشاركة في العمل، حتى الكراسي صنعناها بأنفسنا، كان عملا تطوعيًا من الجميع مبعثه الرغبة الصادقة في تطوير البلد”.
ضجّ المكان بالحركة والنشاط. “كان الرئيس سالمين يأتي لزيارتنا ويرى المكان مزدحمًا بالعمال ويهتف متعجبًا: نجلا.. هل نسيت أنه لا توجد ميزانية؟”.
انتهى العمل بعد عام، ثم كان الافتتاح، ومنذ العام الأول، استقبلت الروضة 200 طفل. “أعددنا روضة أروى لتكون بحق مملكة للطفل، تستقبلك الفرحة عند الباب”. كانت مقامة على مساحة أرض شاسعة، ضمّت الكثير من الصفوف والغرف، غرفة الألعاب، المسرح، غرفة الموسيقى، تولّى الموسيقار شكيب جمن تدريب الأطفال على العزف. هناك أيضا غرفة العصافير، ومزرعة للحيوانات، أما المنهج فأعد بالتعاون مع عدد من التربويين استعانوا بتجارب البلدان العربية المجاورة.

كانت نجلاء تبتكر وسائل غير تقليدية في التعليم، تمتزج فيها المتعة والفائدة. منها ليلة المبيت. “خطرت لي فكرة ليلة المبيت، وهي ليلة ينام فيها الأطفال في الروضة، نختار في كل أسبوع أربعين طفلا، يتعلمون النظام وآداب السلوك الصحيح في أجواء جماعية مرحة، كان الأهالي يتسابقون لتسجيل أطفالهم”.
في أواخر العام 1975 سافرت نجلاء إلى ليبيا لحضور مهرجان الشباب العربي. “قابلت القذافي وحصلت منه على دعم سخي بنيت فيه رياض الأطفال من عدن إلى المهرة، بعدها صدر قرار بترقيتي إلى مدير عام رياض الأطفال على مستوى الجمهورية”.
نجلاء في ورشة الميكانيك
في 1977، التحقت نجلاء بكلية التربية بجامعة عدن لدراسة الأدب الإنجليزي، وبعد انتهاء حكم الرئيس سالمين في 1978 تركت إدارة روضة أروى. “تعرضتُ إلى مضايقات فتركت العمل ولازمت المنزل”. ثم خطرت لها فكرة فتح ورشة لحام. “في 1979 فتحت مع زوجي ورشة ميكانيك، أردت أن أثبت للجميع أن نجلاء لم تخلق للوظيفة وحسب، وأنها قادرة على النجاح في أي عمل”.
في العام 1981 تخرجت نجلاء من الجامعة. ثم استدعتها جهات حكومية للعمل، فتولت هذه المرة مسؤولية دار العجزة. “كانت الدار في حال مزرية، كان الإنسان والحيوان يأكلان في وعاء واحد، أصلحنا المكان، نظفنا ورممنا، نظمنا عملية الأكل والنوم والراحة، وفي حديقة الدار زرعنا الورد والحب”. استمرت نجلاء في الدار الى العام 1986. “وماذا عن الأعوام التي تلت؟”. سألتها. أشاحت بوجهها ورفضت الحديث. “تلك كانت مرحلة صعبة لا أود الخوض في تفاصيلها، مختصرها أنني تنقلت بين عدة مدن، سوريا وتونس ثم عدت إلى صنعاء، وافتتحت مصنعاً للبزات العسكرية، ودخلت في مناقصات مع المؤسسة الاقتصادية العسكرية”.

تخايلت لعيني نجلاء الطفلة وهي تلعب ألعاب الذكور في الشارع، والتي كبرت وما تزال تشارك الذكور ألعابهم. ابتسمتُ للفكرة، بدا أنها فهمت معنى ابتسامتي، قالت، “نعم، أبرع في عالم أعمال الرجال، أما أعمال النساء فلا أجيدها”.
تمر أيامها سعيدة راضية، محاطة بأبنائها وأحفادها الثلاثة، يشغلها العمل ولا شيء غيره. “دائمة التفكير في مشاريع جديدة، أعمل حاليًا في الفضيات، وبيع وشراء التحف، أعمل على تطوير متحفي للموروث الشعبي، الذي ضحيت بجزء من بيتي من أجله”. ذكية تجيد التعامل مع الناس. “تعلمت من أبي النفس الطويل، وصناعة الأصدقاء. حين أشعر ببوادر عداء من شخص ما، أقرّبه مني، أساعده، فأكسب وده بدلا من عداوته”.
سألتها هل للإخفاق مكان في حياتها، للانهيارات، قالت: “تعرضت إلى الكثير من الصدمات، الأولى كانت وفاة شقيقتي، والثانية كانت موت الرئيس سالمين، ثم كانت وفاة أبي، تلك التي كسرت ظهري”، اعتدلت في جلستها، استقام ظهرها، وكأنها تنفض عنه شبهة الانكسار، تابعت: “ولكني لا أحب حديث الهزائم”.

متعلقات