السبت-21 ديسمبر - 08:20 م-مدينة عدن

ٱراء واتجاهات


حبيبتي تحت المطر...!

الخميس - 06 يونيو 2024 - الساعة 08:46 ص

الكاتب: ماجد الداعري - ارشيف الكاتب





انهمر المطر فجأة بشكل عزير جدآ وصديقي أحمد يواصل السير ويحث الخطى وسط شارع رئيسي بمنطقة كمنهلي في طريق عودته إلى شقة سكنه القريب من المكان.
كل من في الشارع ابتعدوا عن المطر ولجأوا للمحلات التجارية وأمام أبوابها أواحتموا بمظلاتهم من المطر، إلا صديقي الذي قرر أن يواصل السير، دون مظلة وتحت زفير المطر وزخاته الغزيرة الى درجة أن قطرة منه قد تكفي للوضوء وثلاث أخرى لتطهير الجسد كاملا، كما كان يشعر بها وهي ترتطم برأسه وسائر جسمه بينما هو يواصل السير معتقدا أنه سيتغلب بجسده النحيل على تلك السحابة العابرة، قبل أن يتفاجأ بشابة هندية رقيقة جميلة الخلق والأخلاق تقترب منه بمظلتها الوردية لاشراكه معها في الاحتماء من المطر الذي كان قد غسل صديقي جيدا وبلل حتى مشاعره الخجولة جدآ، عوضا عن ملابسه وكل ماكان محمولا معه وسط تلك الأجواء الماطرة والرياح العاصفة التي تكاد أن تقتلعه من اقدامه تارة، وتخلع كل ماحولها من حجر وشجر وبشر تارة أخرى، باستثناء روحه هو ومظلة تلك الجميلة التي رحمته ورق قلبها له فآواته قربها بكل طيبة ورحمة وثقة وانسانية، ودون تصديق منه حتى وهو يسير معها وقربها وتحت نعيم مظلتها بالفعل، جراء هول صدمة المفاجئة الممتعة له بحقيقة مايجري معه، وتساؤله في قرارة نفسه عن كون مايحدث معه حقيقة بالفعل ام خيالا لطيفا من حلم صيفي راوده هكذا بكل روعة الأجواء ومتعة المفاجأة التي تحدث من حوله..

لحظات مرت سريعا بتقدير صديقي وهو يسير معها تحت دفئ مظلتها التي تهطل مزن الامطار من كل اقطارها، دون معرفة منه إلى أين يسير، بعدما أضاع طريق الشقة، وكنت أحسبه انا قد احتمى بأي محل حتى تنتهي الأمطار العزيزة ويعود.

بضع دقائق مرت وهما يلفان من شارع لآخر تحت المطر حتى بدأت الفتاة تشك في ضياعه لعنوانه وعدم معرفته أو فمهه لأي من أسئلتها له عن مكان وعنوان سكنه حتى توصله اولا ثم تعود لمواصلة خط سيرها تحت مظلتها، بينما كان هو يكتفي بالرد عليها تارة بياس نعم وتارة أخرى بنوه لا، كون انجليزته لا تساعده على الفهم والحديث معها ولا حتى استيعاب ماتقوله تلك الهندية الجميلة بلغتها السريعة، قبل أن تكتشف أميته اللغوية
حينما كانت تصل به إلى بداية اي شارع فتسأله هل طريق سكنك من هنا؟
فيجيبها تحت انهمار المطر بكل غزارة بنعم...
وعندما تصل نهاية الشارع نفسه وتسأله من أين وفي أي اتجاه تسلك به نحو سكنه فيقول نوه لا ..وهكذا أضاع البوصلة وأضاع معها، طريق ووقت تلك الشابة الهندية الحنونة انسانيا..
وهكذا استمرت معه في عدة محاولات لايصاله إلى سكنه الذي لم يعد يهتم بعنوانه او ضرورة العودة إليه، فقررت تركه يواجه مصيره تحت جذع شجرة جوز الهند في ركن شارع لم يسبق له أن مر فيه أو وصل إليه، بعد أن اعتذرت له عن عدم إمكانية مواصلتها السير معه،كونها تأخرت كثيرا على موعد عودتها للبيت وهو ماقد يقلق أهلها عنها
واكتفت بترك رقم جوالها في جواله للتواصل معها في حال عجزه عن العوة لسكنه والاستعانة بتكتك أو تاكس، بعد انتهاء المطر.

فجلس صديقي احمد مستندا على جذع شجرة يراقب خطواتها حتى اختفت عن ناظريه تمامآ وخو في حالة من الدهشة واللاعي... حتى بدأ يستعيد وعيه ويدرك حقيقة ما حصل معه وبأنه قد تأخر كثيرا عن العودة للسكن
وأن ذلك الشارع الذي يقف فيه جديد غريب عليه.وعلى الفور اخرج هاتفه واتصل بي يسألني بارتباك طالبا مني أن أعرف أين هو ضائع لأذهب إليه واعيده معي الى الشقة، بينما كنت انا اتضور جوعا وأنا منتظرا عودته لنتعشى معا كالعادة..
لذلك فقد بأشرته بالعتاب والسباب معا لمعرفتي المسبقة أن أي أمر، شبيه بما حصل معه،كفيل بإخراجه عن طوره وليس فقدان الطريق وعنوان السكن فحسب.
ولذلك ارسلت له صورة العنوان ليطلب من أي تاكس أو تكتك إعادته إليه..ونجح بالفعل وعاد
الى الشقة ممطورا تماما ومتطهرا سبعا وثامنهم بتراب جذع النخلة التي اتكأ عليها يراقب طريق من قد باتت حبيبة بالنسبة له بغض النظر عن كونه لم يعرف حتى اسمها بعد..
وقبل أن يغير ملابسه او نتاول العشاء قص لي قصته الشيقة مع تلك الفتاة الجميلة.. وكيف استطاع أن يسحرها بعينيه ويسلبها عقلها، بعد ان خافت عليه من قطرات المطر ومضت معه تحت أجواء مظلتها الناعمة في رحلة تعارف رومنسية صيفية غير مسبوقة في تاريخ العشق والعشاق بالعالم أجمع، كونها كانت معه تحت زخات المطر منتشية بسحره وهو يمضي معها شامخا أقوى من كل تلك الرياح العاتية التي ضربته وثلجت اذانه وصولا الى تجميدت حتى ركبه وأطرافبنانه، بينما كان هو مستمتعا أكثر منها دون أن يشعر بأي آثار للرياح والامطار والطقس وحالة الأجواء، قبل أن يبيت أكبر ليلة عذاب والآم وضريب ينهش كامل عضام جسده الضعيف النحيل حتى الصباح.
وبعد ان انتهى صديقي من سرد قصته الغرامية الخاطفة طلبت منه بكل برود اي دليل على قصته تلك باعتباري لا أقبل تأليف القصص الغرامية على حسابي دون دليل يقنعني..!
ففاجأني برقم هاتف بجواله مكتوب عليه (حبيبتي تحت المطر) ...
فضحكت حتى كاد جيران العمارة أن يصحوا من قوة قهقهاتها وكاد هو أن يموت قهرا مني على سخريتي منه وتسميته المستعجل لها بالحبيبة وأراد تخفيف التسمية إلى صديقة لكنني نصحته بالابقاء على تلك التسمية 🏷
وبعدها فاجأني واتصل بالرقم وفتح المايكرفون لكي اسمع واتأكد أنها هي وان الصوت لفتاة حقيقة..
وبالفعل كان المجيب فتاة رقيقة الصوت ناعمة الهمسات كتلك التي نجح في تصوير ملامحها الخيالية في دماغي، بينما كانت المفاجأة الاكبر ان الفتاة تحاول بكل لطف وانسانية أن تطمئن عليه حقيقة وهل وصل بالفعل إلى اللوكيشن هاوس، عنوان منزله؛
وكان يلح علي أن اخبره بما يرد عليها وبطمئنها على صحته ومدى إعجابه بها وجمالها ولطفها وروعة أخلاقها وانسانيتها..وانا اطلب منه الاكتفاء بما اعرفها من كلمات فقط، حول ضرورة ماينبغي عليه قوله لها لتطمئن أنه عاد بخير إلى مسكنه..
الا أنه رفض الاختصار وأرغمني بالفعل على الاستعانة بترجمة قاموس الشيخ جوجل لطمأنتها أنه وصل للشقة ولكنه ليس بخير
غير أنها فاجأتنا بأنها لم تفهم شيئا من نطقنا للكلمات الانجليزية إلا بصعوبة بالغة تجعلك تلعن ولا تكتفي بكره كل من درسوك الانجليزية منذ الطفولة وإلى سابع جد، خاصة وانت تسمعها تردد بعد كل كلمة تنطقها: وآت وآآات وآآآآآت؟!
ولذلك اضطرينا الى ان نقطع الاتصال ونلجأ لرسائل الوتس المكتوبة لتطمينها،حتى اطمأنت وجمدت الرب وأرسلت علامات دينية مسيحية أو هندوسية تشير إلى أنها تشكر الرب على سلامة عودته، وعدنا لتناول العشاء وقد أصبح باردا كجسده وأطرافه المثلجة من الرياح والمطر.
واعتقدت أن الأمر انتهى بينها هنا غير ان صديقي بقي اياما واسابيع على تواصل معها عبر رسائل مترجمة من جوجل..
والكثير يعرف أن هذه الترجمة لا تكون دقيقة وأنها احيانا تخبط وتعطي عكس المعنى..
ولذلك فقد تفاجأت به بعد أيام مشغولا يتهرب مني ويحب أن يذهب للنوم مبكرا عكس ايامه السابقة، ودون معرفتي أنه يعيش قصة حب بالفعل معها
حتى جاء ذلك اليوم الذي وجدته حزينا لا يستطيع الأكل وبدأ ينحف فوق نحافته أساسا وأنا احاول أن أعرف سر تغيره ورفضه النوم مبكرا كالعادة..
وتحت الحاحي عليه أخبرني مقهورا منكسرا أن حبيبته الهندية قد حظرته قبل ان توافق حتى على اللقاء به مجددا ..
فاستغربت من الأمر.. وبأنه مازال على تواصل معها بعد أن اطمأنت على وصوله إلى سكنه.
وهنأ سألته بتحايل: كيف عرف أنها حظرته، فاضطر ان يفتح جواله ليريني أن رقم (حبيبته تحت المطر)، كما هو اسماها بالفعل في جواله لم تعد تستقبل رسائله
وحينها لمحت آخر رسالة منه مترجمة من جوجل بأنه لم يعد يريد ان يراها..
وعلى عكس ماكان يقصده بأنه يريد أن يراها بأقرب فرصة لديها..!
فضحكت من أعماق أعماق قلبي وضروسي وصماصيم عقلي وادغال فؤادي ...ولم استطع أن اخبره حتى الآن أن غريمه جوجل وليس الفتاة التي كانت قد بدأت بالفعل تثق فيه وتبادله المشاعر بل وترسل له صورها وأهلها وبعض صديقاتها الأجمل منها
وهو زاد قهري أنا ضعف قهره مرتين..
والله المستعان ياشيخ جوجل على التسبب بحرمان صديقي ممن كان قد اسماها بكل ثقة

حبيبتي تحت المطر...!
#ماجد_الداعري