الثلاثاء-04 مارس - 10:09 م-مدينة عدن

ملك بريطانيا مغرم به.. الباذنجان زينة كتب الطبخ العربي والإسلامي

الثلاثاء - 04 مارس 2025 - الساعة 06:30 م بتوقيت العاصمة عدن

عدن سيتي / متابعات



أعرب ملك بريطانيا، تشارلز الثالث، عن حبّه الذي وصف بالشديد، للباذنجان، وذلك لدى زيارته الطاهي السوري الأصل عماد الأرنب، بمطعمه في لندن.

وبحسب ما نقلته صحيفة "الشرق الأوسط" في تقرير لها بعنوان "تشارلز مغرم بالباذنجان بكل وصفاته" في السادس والعشرين من فبراير الفائت، فإن زيارة الملك البريطاني لمطعم الطاهي السوري، جاءت قبل أيام من قدوم شهر رمضان.

كما أشار الملك البريطاني إلى تعلقه بالأكلة المعروفة باسم "بابا غنوج" وأساسها الباذنجان. ونقل الطاهي السوري عنه أنه يحب الباذنجان "بكل وصفاته".

وفيما اعتقد عدد من رواد مواقع التواصل، أن الباذنجان "محدود" الوصفات، وأنه من ثمار الخضراوات التي لا يهتم لها إلا عامة الناس، تُظهر مصنفات الطبخ العربية والإسلامية اهتماماً واضحاً به، إن من الناحية الطبية، أو طرق إعداده التي ارتبط عدد منها، بأسماء مشهورة.

أهمية المصادر العربية والإسلامية
ظهر الباذنجان في أقدم صوره مع الحضارات القديمة، كما عند الآشوريين، إلا أن خبراء وأساتذة الطبخ لم يهتدوا إلى دليل طرق طهيها، بحسب كاثي كوفمان، صاحبة كتاب "الطبخ في الحضارات القديمة" ما يعطي أهمية متزايدة للمصنفات العربية والإسلامية التي تناولت أساليب إعداد الطعام والخضراوات، ومنها الباذنجان الذي تفنّن الطهاة العرب والمسلمون بتحضيره.

وعلى قدر تعدد وصفات الباذنجان في التراث الإسلامي، وتعدد وصفاته الحالية الكثيرة المعروفة، كاستخدامه في المحاشي وأنواع الطبيخ الممزوج بالطماطم، تتعدد أسماؤه في اللغة العربية، فعرِف للباذِنجان اسم الأنَب، واسم القَهقَب، وأسماء مثل: المَغد، والحدق، والحذق، والحيصل، والكهكم، والثغرجي، والنّفّاح، وكذلك أطلق على الباذنجان في العربية، اسم الجَرْو، حيث يطلق الأخير على ثمرة كل شيء من حيوان وثمَر، كما يورد رؤساء للعربية.

جيّد ومقوٍّ للمعدة
قال الطبيب الإسلامي الشهير، الرازي، محمد بن زكريا (251-320هـ) ويوصف بفيلسوف صناعة الطب، في "منافع الأغذية ودفع مضارها" إن الباذنجان المخلل "يلطف الطحال" و"جيد للمعدة" خاصة إذا طبخ بالخل أو بدهن اللوز.

ابن البيطار (593-646 هـ) في "الجامع لمفردات الأغذية والأدوية" يرى بأن الباذنجان "مقوّ للمعدة"، ويوضح كيفية إبقاء الباذنجان صالحاً للأكل لمدة سنة كاملة، بعد سلقه وتجفيفه وخلطه بالملح، وهي الطريقة التي تستعمل في المنطقة العربية الآن، لإعداد ما يعرف بـ"المكدوس" حيث كشف عن احتمال أصله الأندلسي، بحسب ما ورد من تفاصيل في كتاب "الطبيخ في المغرب والأندلس" لمؤلف مجهول.

وسرد الإشبيلي، أبو الخير، مصنّف من أهل القرن السادس الهجري في الأندلس، عدة أصناف مشهورة لثمرة الباذنجان، في كتابه "عمدة الطبيب" فيتحدث عن "الباذنجان الأَسْود الأندلسي" و"الأبيض الشامي" و"المورَّد المصري" و"المَنسلان القرطبي" وغيرها.

وصفات بالعشرات
من أشهر وصفات الباذنجان، ذكرها كتاب "الطبيخ في المغرب والأندلس" ويظهر فيها أساس إعداد "المكدوس" الشامي لكن مع تغيير جذري بالأكلة الأندلسية التي تقوم على شق الباذنجان وحفظه بالملح ليتخلص من مائه، ثم يسلق ويبرَّد ويتم حشوه بثوم مدقوق، وشيء من الكزبرة الخضراء، ثم يعصَر الباذنجان لاستخراج كل ما فيه من رطوبة، ثم يضاف إليه القرفة والفلفل الطازج، ثم يُقلى البِيض مخلوطا بالمزيج السابق، وبعد القلي يتم حشو الباذنجان به، ثم يقلى ليحمرّ لونه ويقدّم مزيناً بالنعناع والتوابل.

ووصفة أخرى تعرف باسم "الباذنجان بالزعفران" ومكوناتها من الخل والكزبرة والكمون والبصل والتوم والزعفران، وإعدادها يتطلب سلق الباذنجان ثم تجفيفه بالكامل. على غير وصفة تسمى "الباذنجان العربي" وهي مزيج من اللحم والباذنجان والخل والزبت والكمون واللوز والكزبرة الخضراء.

باللحم والدهون والمرق
لونٌ آخر للباذنجان، يسميه مصنفو الطبيخ باللون اليهودي، ويقوم على دق اللحم بالملح والفلفل والقرفة ويضرَب ببياض البيض، ثم يحشى الخليط بالباذنجان الذي سبق سلقه وتجفيفه. كما سرد المؤلف المجهول لكتاب الطبيخ في المغرب والأندلس. فيما يقوم نوع آخر نادر، على استعمال مدقوق لحم الدجاج، حشوة للباذنجان، ونوع أندلسي باسم "البرانية" يخلط فيه اللحم بالباذنجان، الأخير الذي بدا مكوناً كثيراً الورود في أكلات الأندلسيين التي قامت على استعماله في عشرات الوصفات حتى استعلموه كرغيف في وصفة يعجن فيها الباذنجان بفتات الخبز ثم يقلى الخليط مقطعاً ويسمى "إسفريا الباذنجان".

ويذكر كتاب "الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب" لابن العديم الحلبي (588-660هـ) وصفات كثيرة لإعداد الباذنجان، وأشهرها تسمى "البورانية" وتقوم على تقطيع اللحم ثم سلقه وبعدها يتم قليه مع البصل والكزبرة الخضراء وتوابل حارة، ثم يضاف للمكون بصل طازج وباذنجان منزوع الماء، ويقلى الباذنجان بدهن خروف، ويرش عليه كزبرة يابسة، ثم تضاف كمية من مرق اللحم، ويوضع في الفرن حتى يجف ويحمر كلّه.
وصفة أخرى للباذنجان اسمها "الكبريتية" وتقوم على سلق قطع اللحم الصغار، ثم قليها مع الثوم والكزبرة الخضراء واليابسة ودهن الخروف، ثم يوضع فوق الخليط قطع الباذنجان ثم يقلب كله ويطبخ مع المرق حتى يجف.

أشبه بـ"بابا غنوج"
الكتاب الشهير الذي طبع على نفقة وزارة الأبحاث العلمية والتكنولوجية الألمانية، وأشرف على طباعته المعهد الألماني للأبحاث الشرقية في بيروت، ويعرف بكتاب "كنز الفوائد في تنويع الموائد" وهو لمؤلف مجهول يرجح أنه من أهل العصر المملوكي، كشف عن عدد من وصفات الباذنجان، أشهرها قد تكون أشبه بوصفة "البابا غنوج" المعروفة، إذ يذكر أن إعدادها يتطلب تجفيف الباذنجان على النار حتى يجف، ثم يوضع عليه الثوم واللبن الحامض، ثم يقطع عليه البقدونس ويرش بثوم مدقوق.

وفي كتاب "الطبيخ" للبغدادي وهو من أهل القرن السابع الهجري، يوجد أكثر من وصفة للباذنجان، أشهرها أكلة اسمها أيضاً "بورانية" وهو اسم يرد كثيراً في أسماء وصفات الطعام، وعدد منها جاء من بوران بنت الحسن بن سهل زوجة الخليفة العباسي المأمون.

من قدور الطهاة إلى قصائد الشعراء
تقوم بورانية البغدادي على مزيج الباذنجان واللحم والثوم واللبن بصفة أساسية. أما البورانية المستمدة من زوجة الخليفة العباسي، فهي بلحم الغنم والفلفل والزعفران والكمون والزيت والباذنجان، بحسب مؤلف كتاب الطبيخ في الأندلس والذي قال إن بوران هي "أول من استنبط هذا اللون" وتقوم وصفتها على تكرار رصف طبقات اللحم وطبقات الباذنجان على التوالي.

من الجدير بالذكر أن الباذنجان كان محبوبا لدى الناس والشعراء فكتبوا فيه شعراً لتعلقهم به. ومن الشعراء العرب الذين ذكروه في شعرهم، الشاعر العباسي كشاجم والذي عمل طباخاً قبل أن يبرز في الشعر، فقال:
قد ألبست قضبان طلعٍ غضّةْ
كأنها سلاسل من فضةْ
وجاءنا فيها باذنجان
مثل قدود أُكَر الميدان!

متعلقات