الأربعاء-16 أبريل - 06:43 ص-مدينة عدن

هل نحن على عتبة "ما بعد الليبيرالية"!

الثلاثاء - 15 أبريل 2025 - الساعة 10:17 م بتوقيت العاصمة عدن

" عدن سيتي " سعيد علي نجدي : متابعات












أثارت عاصفة الرّسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حالةً من حالات التيه والصّدمة إزاء ما يحدث، من تحوّل في وجهة السوق، بغضّ النّظر عن مفاعيلها، وعمّا إذا كانت سوف تستمرّ، لناحية الحرب السلعية الدائمة، أو إذا ما كانت اختبارًا لغايةٍ في نفس ترامب من أجل جلب الدول إلى "بيت الطّاعة"، ولكنّ الحدث بحدّ ذاته قد وضعنا أمام مفاهيم هيْمنت بشكلٍ كبيرٍ، لدرجةٍ أنّها تحوّلت إلى خطاب عوالمي، أشبه بموضةٍ كلاميةٍ عالمية، حتّى صارت هذه المفاهيم نوعًا من أنواع "طقس العبور".



يشير المفكر أولريش بيك، وهو عالم اجتماع ألماني، في كتابه "المدينة العالميّة"، إلى نوعٍ جديدٍ من الرّأسمالية، ونوعٍ جديدٍ من الاقتصاد، ونوعٍ جديدٍ من النّظام العالمي، وأيضًا إلى نوعٍ جديدٍ من الحياة الشخصيّة ستظهر إلى الوجود، وكلّ منها يختلف عن المراحل السابقة للتطوّر الاجتماعي، وبالتالي نحن بحاجة إلى تحوّل في النّموذج المعياري، إلى إطار مرجعي جديد من الناحيتيْن السوسيولوجية والسياسية. وكأنّ هذا المؤشر هو بلوغ أقصى درجات العوْلمة، وأولريش بيك صاحب نظرية مجتمع المخاطَرة يضعنا أمام اختفاء الدول طالما أنّ هذه العالمية لا يمكن الرّجوع عنها.



نحن أمام مجتمعٍ عالميّ تتفكّك فيه شتّى البنى والأنماط
اليوم، ومع وضع الجدران الحمائيّة للمتروبول التي وضعها ترامب، يضعنا أنتوني غيدنز، عالم الاجتماع الانكليزي، في عالمه الجامح (إشارة إلى كتابه)، أمام صورة لمجتمعٍ عالميّ تتفكّك فيه شتّى البنى والأنماط، وهذه الفرضيّة عندما نضعها أمام الإجراءات الترامبية يُصبح من حقّنا السؤال حول انعكاس تلك الفرضيات على أرض الواقع، خصوصًا أنّ ترامب يتعامل مع الدولة على طريقة الكومنولث، لجان بودان وتوماس هوبز المُطلقة، لأنّ الدولة اليوم أكثر حضورًا وكثافةً في وظائفها، وليس كما يقول مارتن ألبرو عالم الاجتماع الإنكليزي، الذي اشتُهر بأعماله حول العوْلمة، أنّ الانفكاك الحقيقي والانفصال عن الحديث، والتحوّل إلى عصرٍ جديدٍ، يأتي عندما يتّخذ الاجتماعي معنى خارج الإطار المرجعي الذي حدّدته الدولة - الأمة.


على حدّ قول فريدريك هيغل إنّ الصّراع عندما ينتهي، ينتهي معه التاريخ، فنرى في هذا النموذج ماورو غويلن، وهو عالم اجتماع إسباني، يصوّر كيف أن النيوليبيرالية تعمل على وهْم هدْم الصراع واللّاتكافؤ، من خلال كوننا جميعًا وبشكل متجانِس نقوم بالأساليب الاستهلاكية المشتركة نفسها، ونتّبع الممارسات نفسها، وكأنّنا في عالم من اللّاحدود والمصير المشترك. وهو كلام نضعه اليوم أمام الحقول المتفجّرة المتدافعة في العالم والحروب التجاريّة للرّسوم الجمركية فلا يصمد البتّة، غير أنّه ترويج مفخّخ ندخل بأدبيّاته من دون أن نعي، لأنّ سوسيولوجيا العولمة كما يلمح الكاتب إيان روكسبورو، تُدار من الإدارات العسكرية في الولايات المتّحدة لدى تطوير عقيدتها العسكرية.



ترامب يعتبر أنه يمتلك شرعية الحاكم المُطلق وبالتالي من حقّه إعلان حرب تجارية على العالم
ترْك الحكومة للتجارة من دون التدخّل فيها، هو مبدأ رأسمالي تدعمه الليبيرالية الاقتصادية حيث ترفض التدخّل الحكومي في السّوق.. إلى أن تأتي "اليد الخفيّة"، الدولة، بعدما أمّنَ لها ذلك الشعار المصلحة المطلوبة في عمليات نهب العالم، فتعيد ترتيب هذه العملية، حسب المنفعة، ليتقدّم نموذج المفكّر الألماني كارل شميت، المعادي لليبيرالية وللماركسية أيضًا، لناحية السيادة للدولة.




ففي كتابه "اللاهوت السياسي"، يُعيد شميت الاعتبار للسياسي، طالما أن الدولة هي السيادة المطلقة التي تُبيح لها التصرف بكل شيء، وهذه السيادة تتمثّل في الحاكم الذي يُجسّد إرادة الشعب، ومن هنا نرى أنّ ترامب يعتبر أنه يمتلك شرعية الحاكم المُطلق طالما انه أتى بإرادة ساحقة من الشعب الأميركي، وبالتالي من حقّه إعلان حرب تجارية على العالم، نحن في انتظار تداعياتها اليوم.






"عروبة 22"

متعلقات