السبت-19 أبريل - 04:55 ص-مدينة عدن

السياسة الجمركية الأميركية.. وتداعياتها على الدول العربية!

الأربعاء - 16 أبريل 2025 - الساعة 10:39 م بتوقيت العاصمة عدن

الوطن العربي " عدن سيتي " بدر الزاهر : متابعات




في خطوةٍ تعكس نهجًا اقتصاديًا حمائيًا، فرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسومًا جمركيةً على مجموعةٍ من الدول، من بينها دول عربية بنسب متفاوتة، بما فيها الدول العربية التي ترتبط باتفاقيةٍ للتبادل الحرّ مع الولايات المتحدة الأميركية كالمغرب، وهي توجّهات تحمل في طيّاتها تداعيات اقتصادية واسعة النطاق، سواء على الاقتصاد العالمي أو اقتصادات الدول العربية، التي لا يزال عدد منها يعيش تداعيات الأزمة التضخّمية الأخيرة، الأمر الذي يثير تساؤلاتٍ عديدةً حول استقرار النظام التجاري الدولي وكذلك حول طبيعة التداعيات المرتقبة على المستويَيْن القصير والمتوسّط، بخاصّة في المنطقة العربية.



من بين التداعيات الرئيسيّة لسياسة ترامب الجمركية الجديدة، كان التأثير المباشِر على قيمة الدولار الأميركي، فمع تصاعد التوتّرات التجارية وزيادة الرسوم الجمركية، تراجعت بشكل آني جاذبيّته وقيمته في الأسواق العالمية، ودفعت باتجاه البحث عن عملاتٍ أكثر استقرارًا كالين الياباني والفرنك السويسري وكذلك الذهب، الذي على الرَّغم من تراجع قيمته خلال الأيام القليلة الماضية، إلّا أنّه ما زال ملاذًا آمنًا للمستثمرين الذين اهتزت ثقتهم بأسهم البورصة وبالسندات وبالدولار؛ ومن المُرْتقب أن يؤدّي ارتفاع تكلفة الواردات، خصوصًا بالنسبة لعددٍ من البلدان العربية التي ترتبط عملاتها بشكلٍ كلّي أو جزئي بالدّولار، إلى الدخول في دورة تضخّمية جديدة وإضعاف قدرتها التنافسية.



قد تتسبّب التوجّهات الحمائية في خلق بيئة استثمارية غير مستقرّة في معظم الدول العربية
فعلى سبيل المثال، يستورد المغرب عددًا كبيرًا من المنتجات المصنّعة وشبه المصنّعة والخام بالاعتماد على سلّة عملات مكوّنة أساسًا من الدولار واليورو، وهو ما قد ينعكس على الأسعار محليًا ويؤثر في القدرة الشرائية للمواطنين، ويُعيد إنتاج سيناريوات الأزمة التضخّمية الأخيرة التي خلّفت خسائر جسيمة في الاقتصاد المغربي. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنّ مسألة تراجع قيمة الدولار تتماشى وطموحات ترامب الطامح إلى تعزيز الجاذبية الاستثمارية لبلاده عبر البوّابة النقدية، من خلال خفض تكلفة الاستثمار والإنتاج، وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الأميركية في الأسواق الدولية.


إلى جانب ذلك، قد تُساهم الرسوم الجمركية المفروضة في تراجع إيرادات المحروقات بالنسبة لدول كالجزائر وقطر والمملكة العربية السعودية وذلك بعد تسجيل انخفاضٍ حادٍّ في أسعارها بخاصّة على مستوى العقود الآجلة، وهو ما يُنذر بعجز كبير على مستوى موازنات هذه الدول التي تعتمد بشكل كبير على مداخيل المواد النّفطية من أجل تغطية النفقات الحكومية ودعم الاستثمار. كما قد تتسبّب هذه التوجّهات الحمائية في خلق بيئة استثمارية غير مستقرّة في معظم الدول العربية، بالنّظر إلى سعي ترامب من خلال هذه الإجراءات إلى الضغط على كبريات الشركات الأميركية من أجل إعادة توطين أنشطتها داخل الولايات المتحدة الأميركية، خصوصًا تلك المرتبطة بالصناعات التكنولوجية وصناعة السيارات، وهو ما قد يدفع دولًا أخرى إلى السير على النهج نفسِه، وبالتالي سحب استثماراتها بشكل كلّي أو جزئي، ما سوف ينعكس سلبًا على الأداء الاقتصادي والجاذبية الاستثمارية لعددٍ من الدول العربية، بخاصّة جمهورية مصر العربية والمملكة المغربية اللتان تعتمدان بشكل كبير على التدفّقات الاستثمارية الخارجية من أجل تطوير عدد من القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالتّكنولوجيا والطاقات المتجدّدة والصناعات الميكانيكيّة، وهو ما قد يُفضي لتراجع أداء هذه القطاعات ورفع نسب البطالة.


مخاوف من الدخول في مرحلة كساد كبير وموجة تضخّمية يصعب معها التكهن بمستقبل العالم الاقتصادي
وارتباطًا بالموضوع ذاته، نودّ الإشارة إلى أنّ معظم الشركات العالمية باتت اليوم تترقّب تأثير هذه السياسات في سلاسل التوريد والتكلفة الإنتاجية، من أجل إعادة النّظر في توجهاتها الاستثمارية، وهو ما قد يؤثّر في الاستثمارات الأجنبية المباشِرة في حال قرّر بعض هذه الشركات إعادة توطين نشاطها خارج الدول العربية، وإعادة توجيه استثماراتها نحو أسواق أقلّ تأثّرًا بهذه الرسوم؛ وجدير بالذكر أنّ النّسب الجمركية التي فُرضت على بعض الدول العربية في منطقة الخليج وشمال أفريقيا، والتي لا تتجاوز سقف 10%، يعتبرها بعض المحلّلين نسبًا تفضيليةً قد تشجّع على جذب التدفّقات الاستثمارية نحوها، وجعلها منصّة تصدير نحو الولايات المتحدة الأميركية، غير أنّ هذا التوجّه رهين بمدى تقبّلها لإعادة توطين الاستثمارات بخاصّة الصينية في هذه البلدان، وذلك بعد أن رصدنا سعيًا أميركيًا للتضييق على الصين عبر البوابة الجمركية من خلال الضغط على الدول التي تحتضن استثمارات صينية ضخمة كتايلاند وفيتنام وكمبوديا.




البورصة أوّل الخاسرين


في هذا السّياق، تأثرت بورصات عربية بقرارات ترامب الأخيرة، في مقدّمتها بورصة الدار البيضاء التي عرفت هزّةً قويةً خلال الأيام القليلة الماضية، شأنها في ذلك شأن بقية البورصات العالمية والعربية التي شهدت انخفاضًا حادًّا لمختلف مؤشراتها، وذلك ارتباطًا بتداعيات قرارات الرئيس الأميركي الذي تسبّب بشكلٍ مباشرٍ في اضطراب التجارة الدولية وتعاظم حالة اللّايقين في ظلّ تلويح قوى اقتصادية أخرى كالصين والاتحاد الأوروبي بخوض حربٍ تجاريةٍ ضد الولايات المتحدة الأميركية عبر فرض حمائية مضادّة، وتعريفات جمركية مرتفعة على البضائع الأميركية، وهي التهديدات التي دفعت عددًا كبيرًا من المساهمين لطرح أسهمهم للبيع خشية تراجع قيمتها، إلى جانب أنّ القيمة السوقيّة لعدد من الشركات سواء العاملة ببورصة الدار البيضاء أو غيرها من البورصات العالميّة قد انخفضت، جرّاء انخفاض الإقبال على عددٍ من المنتجات والمواد خصوصًا المحروقات والذهب، وهو ما يفاقم المخاوف من دخول الاقتصاد العالمي مرحلة كسادٍ كبيرٍ قد تتسبّب في خسائر اقتصادية كبرى، وموجة تضخّمية يصعب معها التكهن بمستقبل العالم الاقتصادي.





 "عروبة 22"

متعلقات