قراءة تحليلية نقدية في قصيدة "مواويل عشق"
للشاعرة التونسية كريمة الحسيني
الإثنين - 21 أبريل 2025 - الساعة 03:15 ص بتوقيت العاصمة عدن
تونس " عدن سيتي " بقلم.. علاء حسين الأديب
العنوان وبنية الاستهلال
.................................
يحمل عنوان القصيدة "مواويل عشق" شحنة دلالية عاطفية كثيفة، إذ تستحضر كلمة "مواويل" البعد الغنائي والتراثي، المرتبط غالبًا بالحنين والشجن، فيما تتماهى "العشق" مع عمق التجربة العاطفية وحرارتها. نحن إذًا إزاء نص ينذر منذ عنوانه بولوج عالم وجداني حارّ، تتقاطع فيه الذاكرة مع الحلم، والواقع مع التوق. أما بنية الاستهلال ("أنا لا أرتب الشوق .. تقودني مشاعري إليك") فتضعنا منذ البداية أمام ذات منفعلة، منقادة بالعاطفة، متخلية عن سلطة العقل، ومنغمسة كليًا في انسياب الحنين.
التحليل الشعوري:
الحب في مواجهة البرد والغياب
................................................................
النص يشيّد تجربة حبّ تتجدد كلما اشتد البرد، إذ تتحول الذكرى إلى قوة باعثة على الحياة والانبعاث، وتجعل من اللقاء العاطفي طقسًا خلاقًا ("لأنمو بين أناملك أزهارا برية"). تتجلّى في هذه الصور نزعة شعورية رومانسية، حيث تتعانق الذاكرة مع الرغبة في البقاء، في ظلّ الخوف من الزمن ووطأته. لكن الحب هنا لا يُطرح بوصفه أزمة أو جرحًا، بل كطاقة للذوبان المشترك، في فعل يتسامى على الزمن ("لنذوب سويا .. حبة حبة .. قطرة قطرة"). هكذا، تتحوّل التجربة إلى حلم بإعادة تشييد خاتمة للحب، بعيدة عن البرد، الحرب، والأعاصير، وهي رموز لانهيارات الواقع.
اللغة الشعرية وبنية الجمل
....................................
اللغة تتوسل بساطة ناعمة، لكنها محملة بالإيحاء، حيث تعتمد الشاعرة على جمل قصيرة، تتقاطع مع الحس الإيقاعي وتمنح النص هدوءًا داخليًا. يلاحظ القارئ غلبة الأسلوب الإنشائي الذي يوحي بالشوق والانفعال، وانزياحات لغوية لطيفة، مثل: "عناقيد عنب لم يدركها الخريف"، حيث يتقاطع الحسي مع الرمزي. لا يركن النص إلى المفردة الفخمة أو الصورة المركبة، بل يفضّل التدفق الوجداني النابع من صفاء التجربة.
المحسنات البديعية:
موسيقى المعنى والإيحاء
...................................
اعتمدت الشاعرة على توظيف محسّنات بديعية ناعمة وغير متكلّفة. يظهر التكرار كعنصر مركزي في خلق الإيقاع والتوكيد، مثل: "حبة حبة .. قطرة قطرة". كما نلحظ نوعًا من الطباق الضمني بين "الأنمو" و"الخريف"، حيث تقف الحياة ضد الذبول. ثمة أيضًا جناس معنوي بين مفردات مثل "برد .. حرب .. حب .. أعاصير"، مما يخلق تشابكًا صوتيًا وإيحائيًا يعزز الأثر العاطفي للنص. هذه المحسنات لا تأتي للزينة اللفظية بل تتناغم مع الشعور الداخلي للنص.
إسقاطات الأدب المقارن:
صوت الحب كقيمة إنسانية تتجاوز الجغرافيا
............................................................
يمكن قراءة هذا النص ضمن أفق الأدب المقارن، لا من خلال التناص الصريح، بل عبر المشابهات الشعورية والأسلوبية مع تجارب شعراء عرب وعالميين تناولوا الحب كقيمة خلاقة تتحدى الزمن والحرب. تحضر في النص أصداء من رومانسية نزار قباني في التماهي مع الجسد والأنثى، كما يمكن مقارنته بروح نصوص الكاتبة الإيرانية "فروغ فرّخزاد" التي ربطت الحب بالحرية والانبعاث. النص يحاور دون أن يدّعي، وينتمي إلى منظومة شعرية كونية تحتفي بالعاطفة بوصفها خلاصًا من العنف والبرد الوجودي.
البنية الإيقاعية الخفية:
موسيقى المعنى والوجدان
.....................................
رغم اعتماد القصيدة على النثرية الشكلية، فإنها مشبعة بإيقاع داخلي هادئ ومتزن، ينبع من تكرار الألفاظ (كما في: "حبة حبة ..قطرة قطرة")، ومن اعتماد الجمل المتوازنة، والإيقاع الصوتي المترتب على التنغيم الوجداني. هذا الإيقاع الخفي يمنح النص سلاسة نغمية تشبه التلاوة الشاعرية، ويعكس قدرة الشاعرة على صهر الموسيقى في اللغة دون اللجوء إلى الوزن التقليدي، مما يفتح المجال لتلقي شعري غير مقيد، لكنه مشبع بالعاطفة.
الصورة الشعرية:
المجاز بوصفه كشفًا شعوريًا
......................................
تتميز القصيدة بصورها الحسية المجازية التي تحاكي التجربة الجسدية والعاطفية معًا، وتدمج بين الحواس والانفعالات. فقولها: "لأنمو بين أناملك أزهارًا برية" هو مجاز كثيف يصور التحول من الحنين إلى الازدهار، من الغياب إلى الانغراس، كما يشير إلى طاقة الحب على استنبات الحياة في الذات. وكذلك صورة: "عناقيد عنب لم يدركها الخريف" تُحمّل دلالة الفتوة المستدامة، والخصب الذي لم تَمسّه الشيخوخة أو الذبول. هذه الصور المجازية تخلق شبكة رمزية تؤطر المعنى في إطار شعري مكثّف.
الأنوثة كفاعل شعري:
إعادة تشكيل العلاقة بالعاطفة
........................................
ينبض النص بطاقة أنثوية ناعمة لكن واعية، تتجلى في صيغة مخاطبة الحبيب، لا من موضع التبعية، بل من موقع المشاركة في رسم المصير المشترك. عبارة: "لنرسم للحب خاتمة جديدة" تؤسس لعلاقة متكافئة، حيث المرأة لا تنتظر، بل تبادر، وتشارك في صياغة النهاية البديلة لعلاقة تتجاوز الألم والمناخات العاصفة. هذه الذات الأنثوية تكتب من داخل التجربة، وتعيد تشكيل فعل الحب لا بوصفه قدرًا غامضًا، بل كاختيار يسعى إلى السكينة والاستقرار. وهنا تلتقي القصيدة برؤية نسوية رقيقة تتحدى الصمت دون صدام.
تعددية التأويل وتجربة التلقي
.......................................
النص كمرآة وجدانية
تمنح قصيدة "مواويل عشق" القارئ مساحة واسعة للتأويل، إذ إنها لا تصرّح بأسماء ولا أماكن ولا ظروف زمنية محددة، مما يجعل التجربة فيها قابلة للتعميم والانغماس. المتلقي العاطفي قد يرى فيها حنينًا لحبيب غائب، بينما القارئ البنيوي قد يراها نسقًا من الصور المتناغمة التي تُعيد تشكيل مفهوم الحب بلغة مواربة. كما قد يتلقاها قارئ ثالث بوصفها مرثية لحب مهدد بالغياب، أو حلمًا فردوسيًا يسعى للنجاة من قسوة الواقع ("بلا برد ولا حرب ولا أعاصير").
هذا الانفتاح التأويلي لا ينمّ عن غموض بقدر ما يعكس قابلية النص للتحول إلى مرآة، يرى فيها كل قارئ ذاته ومخاوفه وتطلعاته. وهي سمة من سمات الشعر الحقيقي الذي لا يكتفي بإبلاغ شعور، بل يستدرج قارئه إلى دائرة التفاعل الداخلي وإعادة التشكيل.
خلاصة القول..
....................
تمثل قصيدة "مواويل عشق" نموذجًا للشعر النثري العاطفي الذي ينهل من نبع الذاكرة والحنين، ويعيد صياغة التجربة الإنسانية بلغة ناعمة، وصور حسيّة عميقة، وتوازن دقيق بين الإيحاء والبساطة. إنها نصّ وجداني مفتوح، ينساب كالمواويل القديمة، لكنه يحمل في طياته وعيًا جديدًا بالأنوثة، بالزمن، وبالحب كقيمة كونية، تتحدى الانكسارات وتصبو إلى خلاص مشترك.
من هنا ومن كل ما سلف نستطيع القول بان للشاعرة التونسية كريمة الحسيني مايستحق بالفعل ان يكون جديرا بالتحليل والنقد ،،وفق الله الشاعرة وامدّها بالصحة والسلامة والتألق الدائم.
علاء الأديب
بغداد
١٤/٤/٢٠٢٥
نص القصيدة
...................
مواويل عشق
_____________
أنا لا أرتب الشوق
تقودني مشاعري إليك
كلما اشتد البرد
تأخذني الذكرى
لأنمو بين أناملك
أزهارا برية
ومواويل عشق
وعناقيد عنب لم يدركها الخريف
لنذوب سويا
حبة حبة
قطرة قطرة
دون أن نعير اهتماما للزمن
إن كان سيمنحنا بعض الوقت
لنرسم للحب خاتمة جديدة
وفصولا سعيدة
بلا برد ولا حرب
ولا أعاصير
كريمة الحسيني