الجمعة-04 أكتوبر - 08:15 م-مدينة عدن

تصاعد حدة التوترات الإقليمية.. هل يدفع إيران لتجاوز "العتبة النووية"؟

الجمعة - 04 أكتوبر 2024 - الساعة 06:00 م بتوقيت العاصمة عدن

عدن سيتي / متابعات





تجد إيران نفسها حاليا في موقف غير معهود، في أعقاب سلسلة من الهجمات الإسرائيلية التي أضعفت حلفاءها الرئيسيين، حزب الله وحركة حماس، وبعد هجوم صاروخي شنته على إسرائيل، ووصفته الولايات المتحدة بأنه "غير فعال".

واعتبرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، أن "الانتكاسات" الأخيرة التي طالت طهران، قد تكون لها عواقب غير متوقعة وذات تداعيات خطيرة.

ونقلت عن مسؤولين حاليين وسابقين في الولايات المتحدة وإسرائيل والمنطقة، مخاوفهم من أن الضغوط المتزايدة على إيران "قد تدفعها إلى اتخاذ خطوات متسارعة في برنامجها النووي".

ويحذر المسؤولون الذين لم تسمّهم الوكالة، من أن شعور طهران بأنها محاصرة ومهددة بشكل متزايد، قد يدفعها إلى تسريع وتيرة تطوير قدراتها النووية، أو السعي لامتلاك أسلحة ذرية في مواجهة ما تعتبره "تهديدات متصاعدة لأمنها القومي".

وتطرح تطورات الأسابيع الأخيرة في إيران وفي صفوف وكلائها، تساؤلات بشأن ما إذا كانت طهران ستعيد النظر في استراتيجيتها الإقليمية بشكل جذري، وتبنّي نهج أكثر تشددا يعمد للسلاح النووي كرادع استراتيجي بديل عما تسميه بـ "محور المقاومة"، أو ما إذا كانت قد تفتح الباب أمام مراجعة شاملة لسياساتها الخارجية.

"خيار مصيري"
الكاتب والباحث الإيراني، عارف نصر، يرى أن إيران اعتمدت على مدى العقود الماضية استراتيجية أطلق عليها "الحروب غير المتناظرة"، سعت من خلالها لامتلاك ميليشيات وصواريخ وطائرات مسيرة، كرد على التفوق التكنولوجي العسكري لإسرائيل والولايات المتحدة.

ويشير نصر في تصريح لموقع "الحرة"، إلى أن هذه الاستراتيجية، التي "نجحت سابقا في إبعاد شبح الحرب عن إيران، تواجه تحديات كبيرة منذ أحداث السابع من أكتوبر".

ويضيف المحلل المقيم في بريطانيا، أنه مع إضعاف حركتي حماس وحزب الله وتصفية الكثير من قياداتهما العليا، تجد إيران نفسها أمام خيار مصيري: "إما الاستمرار في نهجها الردعي الدفاعي الحالي، أو التحول نحو استراتيجية جديدة قد تتضمن السعي لامتلاك السلاح النووي".


ويؤكد نصر أن إيران تمر حاليا بـ"مرحلة انتقالية"، حيث لم تتخل بشكل نهائي عن استراتيجيتها القديمة، ولم تؤسس بعد لاستراتيجية جديدة بالكامل.

وفي ضوء هذا الوضع، يقيّم الجانب الغربي بدوره، الموقف، لتحديد مدى قدرته على منع إيران من الانتقال إلى المرحلة الثانية من استراتيجيتها، وفقا للمصدر ذاته.

وقد تعتمد خطوات إيران التالية أيضا على كيفية رد إسرائيل على هجومها الصاروخي الذي شنته الثلاثاء، وتقييم ما إذا كان ذلك الهجوم مصمما فعلا لإلحاق أضرار كبيرة أم مجرد رسالة، بعد أن اخترقت العديد من صواريخ إيران دفاعات إسرائيل الجوية، رغم أنها تسببت في أضرار طفيفة.

وهددت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بالرد على إيران. كما أن هناك ضغطا واسع النطاق بين الجمهور الإسرائيلي والسياسيين المعارضين ليكون رد الفعل "قويا". بل وذكرت مصادر إسرائيلية لموقع "أكسيوس" الأميركي، أنه قد يطال برنامج طهران النووي.

في هذا الجانب، ترى دانا سترول، وهي مسؤولة سابقة رفيعة في البنتاغون تعمل الآن في "معهد واشنطن"، أن استهداف المنشآت النووية الإيرانية من شأنه أن يدفع كبار القادة الإيرانيين لـ "عبور العتبة النووية، إذا تعرض استثمارهم الذي استمر لعقود في ذلك البرنامج للهجوم"، حسب بلومبيرغ.


بدوره، يلفت ناصر إلى أن التطورات المقبلة، خاصة فيما يتعلق بالرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني الأخير، ستلعب دورا حاسما في تحديد المسار المستقبلي لإيران، "فإما أن تواصل البحث عن حلول لتعزيز قوة حلفائها الذين يعانون من الإنهاك، أو أن تبقى إيران دولة على العتبة النووية"، مستبعدا توجهها للخيار النووي الكامل.

ومصطلح العتبة النووية يُستخدم في الإشارة إلى الدول التي تمتلك التكنولوجيا اللازمة لصنع أسلحة نووية، ويشتبه في أنها تمتلكها أو تتطلع إلى حيازتها.

وضع "الوكلاء"
وقالت إيران، الثلاثاء، إن هجومها على إسرائيل يأتي ردا على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في طهران في 31 يوليو بعملية نُسبت لإسرائيل، والأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، الجمعة الماضي، في بيروت بغارة إسرائيلية بعد خسائر غير مسبوقة تلقاها تباعا في الأسبوعين الأخيرين.

وتم القضاء على حماس كقوة قتالية من خلال حملة إسرائيلية استمرت ما يقرب من عام في غزة، جاءت ردا على هجوم من الجماعة المسلحة في 7 أكتوبر على إسرائيل.

وحزب الله، الذي يقصف شمالي إسرائيل منذ الثامن من أكتوبر الماضي، في حالة من الفوضى بعد سلسلة من الضربات الإسرائيلية التي قطعت رأس قيادته ودمرت جزءا كبيرا من مخزونه من الأسلحة.

من جهته، يرى ميك مولروي، وهو ضابط متقاعد في وكالة الاستخبارات المركزية، زميل في معهد الشرق الأوسط، أنه "إذا لم تعد القوات الوكيلة فعالة للاستراتيجية الوطنية الإيرانية، وإذا أدركوا أن قواتهم التقليدية ليست قريبة على الإطلاق، فإن الخيار الوحيد الآخر من وجهة نظرهم سيكون محاولة الحصول على أسلحة نووية كافية لجعل ضرب إيران صعبا للغاية دون المخاطرة برد نووي".

في هذا السياق، تورد بلومبيرغ أن الحصول على مثل هذه الأسلحة يعد "خطوة على المدى الطويل لطهران، ولن تؤثر فورا في الصراع الحالي في الشرق الأوسط".

ولا يزال يتعين هندسة المواد النووية ووضعها في رأس حربي قابل للتسليم. وقد يستمر ذلك لأشهر، اعتماداً على مدى تطور الجهاز، وفقا للوكالة الأميركية، لكن احتمال انطلاق إيران النووي يثير قلقا جديدا من تصعيد كارثي في التوتر مع إسرائيل، التي يعتقد أنها تمتلك عددا كبيرا من الأسلحة النووية الخاصة بها - على الرغم من أن الحكومة لم تعترف بذلك أبدا.


"لا مؤشرات"
وذكر تقييم لمكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية، نشر في يوليو، أن إيران ربما ستتخذ المزيد من الخطوات، و"تنظر في تركيب أجهزة طرد مركزي أكثر تقدما، وزيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب أكثر، أو تخصيب اليورانيوم حتى 90 بالمئة، ردا على مزيد من العقوبات أو الهجمات أو الرقابة".

في المقابل، تواصل إيران التأكيد على أنها لا تسعى للحصول على أسلحة نووية، حتى مع وجود تصريحات حديثة من مسؤولين إيرانيين حاليين وسابقين تشير إلى أن البلاد قد تعيد النظر في عقيدتها النووية.

في هذا الجانب، ينفي الكاتب والمحلل السياسي، صالح القزويني، سعي إيران لامتلاك الأسلحة النووية، مؤكدا أن هذا "الأمر محسوم بفتوى المرشد الإيراني علي خامنئي، التي تحرم امتلاك القنبلة النووية".

وفي تصريح لموقع "الحرة"، يشدد القزويني، على "عدم وجود مؤشرات لتغيّر هذه القناعة"، مشيرا إلى أن فتوى خامنئي "تبقى عائقا رئيسيا أمام أي تحول في هذا الاتجاه".

ويشدّد القزويني على أنه رغم الهجمات الواسعة على إيران وما يعرف بـ"محور المقاومة"، فإن طهران "لن تسعى حاليا إلى امتلاك أو تصنيع أو تطوير الأسلحة النووية".

ويؤكد الكاتب الإيراني، أن طهران "أثبتت من خلال هجماتها الصاروخية الأخيرة، أنها تمتلك قدرات دفاعية كافية تغنيها عن الحاجة إلى القنبلة النووية، مع قدرتها على تقديم الخبرات العسكرية لحلفائها لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية".

وفي المدى القريب، يرى العديد من المسؤولين أن أي رد إضافي من طهران على إسرائيل، "سيعتمد على الأرجح على قدراتها التقليدية، أو دعم هجمات ضد أهداف إسرائيلية في الخارج، مثل السفارات والقنصليات وغيرها".

أما على المدى البعيد، فترى أندريا ستريكر، نائبة مدير برنامج منع الانتشار والدفاع البيولوجي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، في تصريحاتها لبلومبيرغ، أن امتلاك إيران للأسلحة النووية سيوفر لها "القدرة الرادعة النهائية"، مضيفة أن هذا "سيجعل واشنطن وإسرائيل تخشيان التصعيد" ضد إيران.


ووفقا لبيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الهيئة الرقابية النووية العالمية، كان البرنامج النووي الإيراني ينتج ما يعادل مواد كافية لقنبلة واحدة من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة، كل 3 أشهر.

وهذه المادة يمكن تخصيبها بسرعة إلى مستوى 90 بالمئة، وهو المستوى المستخدم في معظم الأسلحة النووية، لإنتاج 15 كيلوغراما من الوقود اللازم لرأس حربي بسيط.

وشهد البرنامج النووي الإيراني تصعيدا ملحوظا بعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018، من الاتفاق النووي، الذي كان يفرض قيودا على أنشطة إيران النووية، مقابل تخفيف العقوبات الغربية.

من جانبه، يقول المحلل السياسي، سعيد شارودي، إن الاتهامات الموجهة لإيران بشأن سعيها لامتلاك أسلحة نووية ليست جديدة، وأدت إلى "فرض عقوبات ظالمة دون دليل، رغم التقارير الدولية التي فندت هذه الادعاءات".

ويستطرد في تصريحات لموقع "الحرة"، أن "تكرار هذه الاتهامات هو محاولة للضغط على البرنامج النووي السلمي الإيراني، وحرمان البلاد من التقنية النووية للأغراض المدنية والطاقية".

وعن تطور البرنامج النووي الإيراني، يقول المتحدث ذاته، إن هذه "ادعاءات هدفها إبقاء إيران ضعيفة وتابعة للغرب، وهو ما ترفضه طهران"، معتبرا أن "الهدف الثاني من نشر الخوف، هو دفع الدول العربية للشعور بالتهديد من إيران، مما قد يدفعهم نحو إسرائيل والولايات المتحدة".

ويختتم شارودي تصريحه بالقول، إن إيران "ترى نفسها في موقع قوة، وأن خسارة بعض القيادات لا تضعف هذ المحور".

متعلقات