مع اندلاع الحرب العالمية الأولى على الساحة الأوروبية، لم تتردد الولايات المتحدة الأميركية في إعلان حيادها مفضلة عدم التدخل بهذا النزاع، ومن جهة ثانية، تعهد الرئيس الأميركي وودرو ولسن بعدم حشر بلاده بهذه الحرب مؤكدا أن واشنطن ستواصل اعتماد سياسة "عدم التدخل بالصراعات الدولية" التي اعتمدتها منذ القرن التاسع عشر.
إلى ذلك، شهد الصراع الأوروبي العديد من التطورات التي هددت بإمكانية قطع واشنطن مع سياستها الدولية السابقة. فعام 1915، قتل العديد من الأميركيين عقب قيام الألمان باستهداف السفينة لوسيتانيا (Lusitania).
فضلا عن ذلك، هدد خروج الروس من الحرب بإمكانية هزيمة الديمقراطيات الغربية التي أبدت الولايات المتحدة الأميركية تعاطفا معها.
تظاهرة بسان فرانسيسكو
بحلول منتصف العام 1916، تزايدت احتمالية مشاركة الولايات المتحدة الأميركية بالحرب العالمية الأولى لجانب كل من بريطانيا وفرنسا. وبسبب ذلك، تزايد القلق في صفوف الأميركيين من إمكانية بداية حملات التجنيد الإجباري والخدمة الإلزامية.
وبمدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، اتخذت الأحداث منحنا آخر حيث تواجدت هنالك نسبة كبيرة من الراديكاليين والعمال المتعصبين، المتأثرين بمبادئ البلشفيين والماركسيين، الذين طالبوا بالحفاظ على الحياد.
إلى ذلك، كان الرئيس الأميركي ولسن قد أرسى نظاما اتجه من خلاله للاستعداد لاحتمالية دخول الحرب العالمية. وبسان فرانسيسكو يوم 22 تموز/يوليو 1916، نظم عدد كبير من مؤيدي نظام الاستعداد للحرب والمناهضين للنقابات تظاهرة مؤيدة لدخول الولايات المتحدة الأميركية الحرب لجانب الفرنسيين والبريطانيين. وفي الأثناء، حصل نحو 50 ألف شخص لمتابعة هذا الحدث وإعلان تأييدهم لسياسة ولسن.
عشرات الضحايا بالتفجير
في حدود الساعة الثانية وستة دقائق مساء يوم 22 تموز/يوليو 1916، أي بعد نحو نصف ساعة من بداية التظاهرة المؤيدة للحرب، انفجرت، على الجانب الغربي من شارع ستيوارت (Steuart Street) بسان فرانسيسكو، قنبلة موقوتة كانت على شكل أنبوب فولاذي مليء بالمتفجرات.
وفي الأثناء، وضع صانع هذه القنبلة العديد من القطع المعدنية بهذا الأنبوب لتمثل الأخيرة نوعا من الشظايا، مع وقوع الانفجار، وتزيد من عدد الضحايا.
أسفرت هذه العملية التفجيرية عن مقتل عشرة أشخاص وإصابة أربعين آخرين وقد تواجد ضمن الضحايا عدد من الأطفال. وبسبب عدد الضحايا المرتفع، مثلت عملية 22 تموز/يوليو 1916 أسوأ عملية إرهابية بتاريخ سان فرانسيسكو.
مع بداية التحقيقات، اختلف الشهود حول أطوار الحادثة، فبينما تحدث البعض عن قيام شخص بوضع حقيبة مريبة على قارعة الطريق، تحدث آخرون عن مشاهدتهم لشخص ألقى بقنبلة تجاه المتظاهرين.
وعلى الرغم من عدم وجود أدلة واضحة، وجه القضاء تهمة القتل لكل من توماس موني (Thomas Mooney) ووارن بيلينغس (Warren Billings) اللذين مثلا قياديين بالتيار النقابي. لاحقا، صدر في حق المتهمين حكم بالإعدام تم تخفيفه للسجن مدى الحياة.
وبحلول العام 1939، أثبتت التحقيقات الإضافية براءة كل من توماس موني ووارن بيلينغس اللذين اتهما اعتمادا على ادعاءات كاذبة. وبسبب ذلك، استعاد الأخيران حريتهما وحصلا على عفو رسمي ليظل بذلك المسؤول عن التفجير الإرهابي بسان فرانسيسكو مجهولا.