من تاريخ الجنوب قصة اغتيال اولادي..
الإثنين-10 مارس - 02:39 م-مدينة عدن

قصة اغتيال اولادي

الإثنين - 10 مارس 2025 - الساعة 10:37 ص بتوقيت العاصمة عدن

عدن " عدن سيتي " بقلم المناضل عبدالقوي مكاوي






حقائق كثيرة و مؤلمة تكشف لنا من خلال الوثائق و مضابط الاجتماعات السرية للجبهة القومية وسلطات الاحتلال البريطاني .. وبعض هذه الحقائق كشفها لنا ضباط الجيش الاتحادي وبعض رجال الشرطة السابقين في عدن انضم أفراده إلى المعارضة بعد أن استشعروا خطورة التخطيط المعد لبلادهم .. ومن بين ما كشفوه لنا قصة اغتيال اولادي الثلاثة (جلال ١٧ سنة ) و (عادل ١٦ سنة) و (سمير ١١ سنة ) .. أنها قصة تثبت التواطؤ بين سلطات الاحتلال البريطاني وقادة الجبهة القومية ( التنظيم الحاكم الان في عدن ) وقد أحجمت طويلا عن اذاعة تفاصيلها لاقتناعي بان سقوط احدنا او بعضنا خلال النضال ضد الوجود الأجنبي أمر متوقع و طبيعي ، وينبغي إلا يوهن عزائمنا ، او يقلل من اندفاعنا .. ولكني أذيع اليوم ولأول مرة القصة كاملة لاستشهاد اولادي الثلاثة .. كما كشفها لنا كبار الضباط والسياسيين السابقين الذين انضموا الى صفوف المقاومة ..
كنت قد غادرت عدن إلى القاهرة في اوائل فبراير ١٩٦٦ ، عندما طلب إلي بعض القادة من أبناء الجنوب الذين سبقوني إلى القاهرة التوجه فورا اليهم وأبلغوني أنهم قرروا اختياري بعد إقالتي مِن رئاسة الحكومة للتوجه الى الأمم المتحدة على راس وفد يقوم بعرض قضيتنا أمام الجمعية العامة ، وأن أتولى مسئولية رئاسة جبهة التحرير ، واعلن من خلال الجامعة العربية قرار انشائها ..
وقد جاء اختياري لهذه المسئولية نظرا لاتجاهي السياسي المستقل ، فأنا لم اكن أنتمي إلى أي حزب من الاحزاب القائمة ، وبالفعل توجهت الى القاهرة وتركت عائلتي في عدن ريثما تستقر الأمور .
وفي القاهرة وافقت على رئاسة جبهة التحرير بعد ان تاكد لي انها ستكون تجمعا وطنيا يضم كل ابناء الجنوب المؤمنين بتخليص البلاد من الاستعمار وتم اعلان قيام جبهة التحرير في ١١ فبراير ١٩٦٦ في الجامعة العربية وانضم اليها عدد كبير من كافة فئات الشعب وبعضهم اعضاء الجبهة القومية الذي رفضوا الانتماء الحزبي الضيق و وأثروا توجيه طاقتهم للنضال الموحد ضد الاستعمار وبعضهم كما سيلى في فصل قادم انضم للوثوب على جبهة التحرير ومحاولة إجهاضها من الداخل ..
ولم يكن بروز نشاطي . ومن القاهرة بالذات ، بالأمر الذي يروق لسلطات الاحتلال البريطاني ولبعض قادة الجبهة القومية الذين توهموا ان قيام جبهة التحرير اجهاض لأحلامهن وأمانيهم وتطلعاتهم الحزبية الضيقة .
ومن هنا بدأ التآمر المشترك ضدي لإبعادي عن العمل السياسي وجرت اكثر من محاولة لاغتيالي ، لكن إرادة الله كتبت لي البقاء .. وعندما فشلت محاولات اغتيالي المتلاحقة مارسوا الارهاب ضد اسرتي لإبعادي عن العمل السياسي .
كيف وقع الحادث
وحين وقع حادث اغتيال اولادي في ٢٨ فبراير ١٩٦٧ ، كنت في تعز لحضور اجتماع هام لقيادة جبهة التحرير .
و بأساليبهم الخاصة عرفو أن اسرتي في احتياج لخادمة ترعى اولادي و تساعد والدتهم في خدمة البيت وقضاء حاجياته فأرسلو لمنزلي سيدة تدعى ( فطوم) من لحج عمرها حوالي ٥٠ عاما .. جاءت بملابس رثة والدموع تملا وجهها ، وطلبت الى زوجتي الحاقها بأي عمل تعيش منه ، وبالفعل تم الحاقها بمنزلي في منطقة المنصورة بعدن و هو فيلا مكونة من طابقين.. ولقد لفت نظر زوجتي وأولادي حرص هذه السيدة على معرفة كل أركان المنزل والغرف التي يلتقون فيها ، وكانوا يعزون ذلك الفضول تقديرا لسنها واستبعاد شبهة تآمرها. وخلال غيابي _ كما ذكرت _ وقع الحادث .. وقبل يوم واحد من وقوعه هربت هذه السيدة دون اخطار أي شخص وإمعانا في حسن النية فلقد بحث عنها اولادي في جميع الأماكن ، فربما أصابها مكروه .. وعندما عادوا إلى المنزل وجدوا في احد ملابسها ورقة تحمل اسم عضو بارز في القيادة السياسية العليا للجبهة القومية ، وعناوين عديدة تتردد عليها على امتداد ايام الأسبوع.
المهم أنه في يوم الحادث ، انتهز الجناة غياب الحارس الخاص ووضعوا متفجرات خلف النافذة المطلة على حديقة غرفة التلفزيون في الدور الأرضي التي يجلس فيها عادة أفراد الأسرة في المساء . فهرع الى مكان الحادث اولادي جلال وعادل وسمير حيث امسكوا بفتيل انفجر فيهم ، وأرداهم جميعا قتلى ولحق بهم شقيقهم شوقي ، ولكن عناية الله كتبت له النجاة وهرعت زوجتي وبناتي إلى مكان الحادث بعد الانفجار فوجدا الاولاد وقد لفظوا أرواحهم
تقول ام الاولاد
شعرت كان صاعقة نزلت على البيت ، صوت يدوي فضيع ، لم اشعر بشيء ، لم اعرف ماذا جرى ، تمددت على الارض و تصورت ان أبنائي جميعا فعلوا مثلي على الارض ، لقد تصورت فعلاً انها صاعقة من السماء ولم يدر بخلدي قط انه انفجار داخل منزلي ، .. لم يسعني تفكيرى في هذه الثوانى أن جريمة دبرت ضدنا داخل منزلنا ونحن أسرة عزلاء .. أم ومعها أولادها .. كان الزجاج يتناثر حولنا .. كانت قطع الطوب من الحائط والسقف تتراكم فوقنا .. وحركت جسدى قليلا لأرى ابنى شوقي .. رأيت رأسه فقط كانت أكوام الطوب قد غطت جسمه كله ولم يظهر الا رأسه .. صحت وصرخت شوقی .. شوقی . وجاهد شوقى وكان عمره ١٥ عاما بكل قوته لكي يخرج من تحت الانقاض وحاولت أنا أيضا أن أقف وأنا أنادى بأعلى صوتى على أولادى : جلال وعادل وسمير .. لقد كانوا جميعا معي ولكنني لم اجدهم .. جريت بلا شعور ناحية باب الفيلا رأيت أبشع منظر يمكن أن تشاهده ام فى حياتها .. ولدى الشهيد جلال يسبح في بركة من الدماء ورقبته بها جرح كبير .. ارتميت عليه وأنا
أصيح فيه .. جلال .. تكلم . ولم يتكلم جلال عرفت المصير في لحظات وبدأت أبحث بنظرى عن ولدى الثاني عادل لم أره لم اعثر له على اثر حولنا ولكنني وجدته ليس كما آراه كل يوم . رأيت قطعا متناثرة
من جسده .. تملأ أرض الحوش .. لقد تحول الشاب المليء بالحياة والأمل الى قطع متناثرة من اللحم في أقل من لحظة .. ولكن أين ولدى الثالث ..
سمير ، اصغرهم سنا ؟ لقد لقي نفس المصير رأيت جثته ..مشوهة .. ضاعت كل قسماته الجميلة .. ضاعت حياته أن الانفجار المروع قذف جميع أبنائى من داخل المنزل الى عرض الطريق این

في تلك اللحظات .. غمرنی ایمان عجیب .. انها ارادة الله . انها
كلمة السماء ظللت أردد هذه قسمتهم .. هذا نصيبنا . وكان باقي
أولادي وبناتي يبكون من هول المنظر .. فضممتهم جميعا
وأنا أردد .. كفى بكاء يا ابنائى هذا هو ثمن الحرية والكرامة .. لا حرية بغير فداء .
تلك
هی اللحظات التي عاشتها زوجتي أم الشهداء بل أن أروع رسالة تلقيتها في حياتي هي رسالتها التي بعثتها لى مع أحد أشقائى وقالت لى فيها
ارجوك لا تنزعج
فلدينا من الايمان بالله وبالقدر ما يجعلنا نقوى
على تحمل هذه الصدمة .. والموت مصير كل حي .. لقد مات جلال وعادل
وسمير في ساحة الشرف وقد استشهد الآلاف وكلهم اخوة لأولادى
فاطمئن .. أن المصيبة ليست مصيبتنا ، ولكنها مصيبة الشعب
لقد قلت أن الحادث وقع في ۲۸ فبراير ١٩٦٧ ولم اكن وقتها في
عدن .. وتم تشييع الجنازة فى عدن يوم أول مارس وشارك فيها ١٥٠ ألف
مواطن من أبناء الشعب وبفضل الله وايمانه بقدره تلقيت النبأ المفجع
برباطة جأش ، لأن الايمان بالقضية كان يملأ قلبي .. ولقد ألقيت من
اذاعة تعز كلمة موجهة لشعب الجنوب ، كما وقفت في جموع المواطنين
الذين جاءوا لتعزيتى فى ساحة المكتب ، وألقيت كلمة قلت فيها :
( لقد استشهد في ساحة الشرف الآلاف من أبناء شعبنا الباسل .
وكلهم أبنائي واذا كان جلال وعادل وسمير قد لحقوا باخوانهم الشهداء
من لحج وأبين والعوالق وعدن ودثينة ويافع والضالع وبيحان ومكيراس
وحضرموت والمواحدى وغيرهم، فانهم قد نالوا شرف الاستشهاد في سبيل
وطانهم .. ونحن نعاهدكم ونعاهد الله بأننا على الدرب سائرون .. وان
يزيدنا هذا الحادث الا اصرارا وعزيمة على مواصلة الكفاح حتى النهاية ) .
تلك هي حكاية اغتيال ابنائي . انها جزء من نضال شعب الجنوب واستقلاله

@متابعين
@إشارة


متعلقات