عودة إلى ' حرب ١٩٩٤م والانفصال "
" أمريكا والسعودية" في طاحونة اليمن نفسها
الإثنين - 20 يناير 2025 - الساعة 08:03 م بتوقيت العاصمة عدن
عدن " عدن سيتي " تقرير "Abdulkader Alguneid
عودة إلى ' حرب ١٩٩٤م والانفصال "
" أمريكا والسعودية" في طاحونة اليمن نفسها
الأركان الرئيسية لهشاشة أوضاع اليمن خلال الخمسة والثلاثين السنة الماضية مازالت قائمة.
قامت الوحدة اليمنية في ٢٢ مايو ١٩٩٠.
وابتدأ تفكير الرئيس صالح بالتخلص من شريكه الرئيس البيض منذ أول لحظة.
وكان رهان قادة الحزب الاشتراكي أن القوى الشابة وقوى التغيير ستقف معه وأن التيار التقدمي في اليمن هو الذي سيتحكم بمستقبل اليمن.
سنقف عند المحطات الرئيسية، ولا يجب أن تنشغلوا أو تشغلوا أنفسكم إذا ظننتم بأن محطة تهمكم لم تذكر أو أن محطة تشعرنا بالخجل قد تم ذكرها.
دعونا نركز على الفكرة العامة.
الفكرة العامة هي أننا مازلنا ندور وندوخ داخل نفس الطاحونة.
**
أولا: مؤامرات منذ اليوم الأول
**
استعداد الرئيس صالح
*
هكذا استعد الرئيس صالح للتخلص من نائبه "الرئيس" البيض ولاجتثاث الحزب الاشتراكي وللقضاء على الجيش الجنوبي.
١- اخترق صالح الجنوبيين في الجيش والحزب الاشتراكي بالفلوس والنعيم والسفريات إلى عواصم أوروبا تحت إسم العلاج.
بهذه الأمور، نجح الرئيس صالح بشق قواعد الاشتراكي عن قياداته.
وكانت هناك حوادث المرور والثارات التي عملت على التخلص من قادة الاشتراكي العنيدين.
٢- بعثر صالح معسكرات جيش الجنوب في عمران ويريم وغيرها في جزر معزولة محاطة ببيئات غير ودودة.
٣- جند أصحاب محافظة أبين "الزمرة" تحت قيادة الجنرال هادي ضد أصحاب الضالع "الطغمة" تحت قيادة الجنرال هيثم.
٤- جند الأفغان العرب الجنوبيين وبقايا السلاطين الجنوبية الكارهين للحزب الاشتراكي.
٥- حشد حزب الإصلاح وقبيلة حاشد برئاسة عبدالله بن حسين الأحمر ضد الاشتراكي.
٦- احتفظ بوزارة المالية التي هي أهم وزارة في نظام صالح، بينما الاشتراكي، بسبب الخلفية الشيوعية، ظن أن وزارة الاقتصاد هي المهمة واحتفظ بها لأن المالية هي مجرد أمين صندوق ينفذ خطط وزارة الاقتصاد.
٧- كان الرئيس صالح يضايق شريكه في الوحدة ونجح بتحديد حركته واتصالاته وتحويله إلى كوز مركوز في الطاقة في صنعاء وفي نفس الوقت جلب السلاطين والأفغان العرب الجنوبيين وأغدق عليهم لخلق سرديات ضد الحزب الاشتراكي في الجنوب.
٨- حصد الرئيس صالح وحزب الإصلاح كل مقاعد انتخابات البرلمان في الشمال بينما حصد الرئيس البيض والاشتراكي كل مقاعد الجنوب.
لكن سكان ومقاعد الشمال هي أكثر بكثير من سكان ومقاعد الجنوب.
وتنافس الحزب الناصري مع الحزب الاشتراكي على المقاعد في الشمال وخاصة في تعز، فلطشها حزب الإصلاح عليهم الإثنين.
كان حزب الإصلاح الإسلامي الحديث الولادة قد حل محل شعبية الاشتراكي بين الطبقات الكادحة والفقراء.
هذه كانت ضربة بين العيون للرئيس البيض والحزب الاشتراكي لأن الرئيس صالح مسح بهم الأرض بإسم الديموقراطية.
بموجب هذ، غير صالح شكل رأس النظام من رئيس معه كل شيئ إلى مجلس جمهوري يضم الزنداني وسالم صالح يضايقوا ويطلعوا روح شريكه في إنجاز الوحدة.
استعداد الرئيس البيض
*
لمنع الإطالة، سنتوقف عند المفارق الفاصلة فقط.
١- خطب ومقالات صحيفة الثوري وصحيفة صوت العمال ومؤتمرات جماهيرية.
٢- اعتزل الرئيس البيض في عدن ونجح في تسخين الأزمة إلى نقطة حرجة بحيث اضطر الرئيس صالح إلى الموافقة على مفاوضات "تصحيح مسار الوحدة" التي انتجت "وثيقة العهد والإتفاق"
كل رجال اليمن البارزين في نظام حكم الرئيس صالح وفي الحزب الاشتراكي وفي في كل الأحزاب والمكونات شاركوا بندية وتفاني في صناعة وإقرار الوثيقة.
لكن العداوة بين الرئيسين كانت قد استفحلت.
ونية الرئيس صالح بالقضاء على الرئيس البيض قد تأكدت.
ونية الرئيس البيض بالإنفصال قد ترسخت.
**
ثانيا: جنون البيض وصالح في ليلة التوقيع
**
١٨ يناير كانت ليلة متوافقة مع ١٠ رمضان، فتم التوقيع على الإتفاقية في المساء.
ودع الرئيسان اليمنيان مضيفهما ملك الأردن الحسين بن طلال وخرج كل منهما من باب مختلف وأفكار مختلفة ونوايا مختلفة.
البيض، توجه إلى الرياض وأبو ظبي والكويت لحشدهم ضد صالح.
دولة قطر كانت تؤيد الرئيس صالح وظلت كذلك لسنين طويلة.
وظهر لليمنيين عالم جديد كان مخبأ تحت السطح ولا يدركونه؛
… ومازال هذا يلاحقهم حتى الآن.
{{ وهذه هي نفس طريقة تفكير الإمارات هذه الأيام }}
جيش البيض نمر من ورق
*
صالح، أمر أحد معسكراته في أبين بضرب معسكر للجيش الجنوب بجواره.
فتك المعسكر الشمالي بالمعسكر الجنوبي، وأنهاه من الوجود.
تأكد الرئيس صالح عندها من ضعف الرئيس البيض وأن جيشه قد أصبحت نمرا من ورق وأن الطريق سالك أمامه ليمضي في خططه حتى النهاية.
وظهر لليمنيين أن كل صراع سياسي لا بد أن يتحول إلى صراع مسلح ينتهي بفتك المنتصر بالمهزوم وطرده خارج البلاد؛
… ومازال هذا يلاحقهم حتى الآن.
{{ وهذه هي نفس طريقة تفكير الحوثيين هذه الأيام }}
اليمن بين الذكاء والخيابة في العمل
*
ولم يعد الرئيس البيض إلى صنعاء أبدا في أي وقت لاحق.
وأصبحت وثيقة العهد الإتفاق مجرد ذكرى لما يستطيع الذكاء اليمني أن ينتجه عندما يفكر وعندما يفهم ولكن في نفس الوقت علامة على الخيبة والخيابة والسوء عند العمل.
وخيابة بعدم القدرة على العمل عند الاختلاف في الرأي.
هذا النمط حدث في ١٩٩٤ ويتكرر الآن بعد ربع قرن في هذه الأيام.
المليار الدولار
*
وحصل الرئيس البيض بإسمه شخصيا على مليار دولار من رئيس الإمارات الشيخ زايد آل نهيان، ولم يعرف هذا المليار الدولار طريقه إلى خرانة الاشتراكي ولا أي خزانة جنوبية ولا أي خزانة انفصال.
حكاية الفلوس الخارجية والداخلية مع المسؤولين اليمنيين، حكاية طويلة حميمة ثابتة لا تتغير بالزمان ولا بالمكان ولا بالراية المرفوعة ولا بالشعار الطنان الرنان.
الشيخ زايد، كان يشعر بالاستفزاز من تصرفات الرئيس صالح بالرغم من أن علاقاته به كانت بداياتها جيدة وأثمرت عن بنائه لسد مارب مسقط رأس أجداده.
ومن يومها وإلى الآن، كانت الإمارات وظلت ومازالت هي معقل ومأوى الانفصاليين الجنوبيين ولا تقبل أبدا بأصحاب أبين الجنوبيين ولا بالشماليين الوحدويين.
**
ثالثا: صالح يفتك بالبيض ثم يتشمس بانتظار كلينتون ٤٠ يوم خارج عدن
**
فتك الرئيس صالح والفريق علي محسن بمعسكر ودبابات الجيش الجنوبي في عمران خارج صنعاء في ٢٧ ابريل ١٩٩٤.
كانت كوميديا سوداء أنه نفس هذا اليوم قبل سنة في ٢٧ ابريل ١٩٩٣ أجريت أول انتخابات برلمانية ديموقراطية، وقام الفائز في هذه الانتخابات بالقضاء على منافسه في حرب مسلحة.
ثم فتك بنفس القوات في عمران ثم فتكوا بمعسكر لبوزة ثم اقتحم "الأفغان العرب" معسكر العند المنيع وزحف الجيش إلى محافظة لحج وانتظر هناك ٤٠ يوم في "صبر" خارج عدن بانتظار التخلص من منع كلينتون.
وتقدم الجنرال هادي الجنوبي الذي يعمل لصالح الرئيس صالح واكتسح مكيراس المنيعة وتم تعيينه مكافأة على هذا الإنجاز في منصب نائب رئيس الجمهورية في ١٠ مايو ١٩٩٤.
وانتظرت القوات هناك ٤٠ يوم تحت الشمس قبل الزحف إلى ساحل أبين المؤدي إلى عدن بانتظار التخلص من منع كلينتون.
وانتظرت قوات محمد اسماعيل خارج شبوة ٤٠ يوما فبل الزحف نحو المكلا في حضرموت، بانتظار التخلص من منع كلينتون.
**
رابعا: أمريكا والرئيس حسني مبارك والانفصال
**
صرح الرئيس المصري حسني مبارك بأن وحدة اليمن لا يمكن أن تستمر بقوة السلاح وبفعل الحرب.
بعدها بأيام كان الصحفي المصري اللامع محمد حسنين هيكل يلقي محاضرة في جامعة القاهرة وأفشى سرا كان له دويا هائلا بأن البحرية الأمريكية تقطعت لباخرة مصرية في البحر الأحمر وصادرت سلاح وذخيرة وعتاد في طريقه للرئيس البيض داخل عدن لدعم الانفصال.
علاقة الرئيس المصري مبارك كانت جيدة بالسعودية والإمارات.
لكن في مصر توجد دولة عميقة الجذور وتعرف جيدا معنى أمريكا حتى لو كانت تحرص على علاقة متينة بالسعودية والإمارات.
أرسل الرئيس المصري بعدها وكيل وزارة الخارجية المصرية إلى صنعاء للتأكيد للرئيس صالح بأن مصر تؤيد وتدعم الوحدة اليمنية.
ومازال هذا الأمر يتكرر، صحيح أن السعودية هي الأهم والأكثر تأثيرا ونفوذا في المتطقة وفي اليمن ولكن أمريكا يمكنها تعطيل رغبة السعودية بشخطة قلم.
**
خامسا: الإرياني يتفاهم مع إدارة كلينتون
**
الرئيس صالح كان يعرف أن أمريكا تؤيده لسببين:
١- أمريكا كانت تعرف أن الرئيس البيض سينهزم
كانت هناك لجنة عسكرية أمريكية فرنسية تقول عن نفسها بأنها محايدة وتريد منع تفاقم وتدهور الصراع بين الرئيسين إلى حرب شاملة.
أثبتت الأيام أن كل من أمريكا وفرنسا في تلك الأيام كانت تؤيدان الرئيس صالح.
الرئيس الفرنسي ميتران كان الرئيس المرموق الوحيد في التاريخ الذي كان قد زار اليمن أو الرئيس صالح في صنعاء ثم فتح له قصر الإليزيه حبا وكرامة لشركة توتال النفطية الفرنسية.
وصار كل أفراد عائلة الرئيس صالح وكلاء لشركة توتال وكل الشركات التي تخدمها.
٢- أمريكا تفضل الاستقرار في أي بلد تحت قبضة القوي حتى لو كان سيئا لأنها تستطيع الضغط عليه.
يمكن فهم تقلبات أمريكا بالحنان تجاه الحوثي في بعض الأحيان من هذا المنظور أي أنه قوي وقد يحقق الاستقرار وقد تستطيع أمريكا الضغط عليه مثله مثل غيره.
وهناك مسألة أن الحوثي يمكن اعتباره قوة ضد أنواع الإسلام السني الجهادي المتشدد.
لكن على ما يبدو فإن قلبة أمريكا الآن ضد الحوثي، بسبب اسرائيل وتهديد الملاحة، يمكن اعتبارها أنها قد أصبحت نهائية.
**
سادسا: الإرياني يدفع الثمن ويفتح أقفال كلينتون
**
ولكن الرئيس كلينتون عصلج مع الرئيس صالح، ومنعه من دخول عدن.
وصل السياسي اليمني المرموق عبدالكريم الإرياني إلى واشنطن وحل مشكلة كلينتون في يومين.
كل ما كان يريده كلينتون هو أن يدفع له صالح القيمة.
لم يقابل كلينتون ولكن وافق الإرياني على الشروط الخمسة لموظف مكتب اليمن في وزارة الخارجية الأمريكية:
١- عفو عن ١٦ حكم إعدام البيض ورفاقه
٢- تعددية أحزاب
٣- نظام اقتصادي حر
٤- تأمين حرية الملاحة
٥- علاقات مع اسرائيل
مجلس التعاون الخليجي وكلينتون
*
السعودية ومجلس التعاون الخليجي أصدروا بيانا قالوا فيه أن الوحدة بين بلدين لا يمكن أن تستمر بالقوة وطالبوا أمريكا بأن تعترف بالانفصال في اليمن وبالدولة الجديدة التي أعلن الرئيس البيض قيامها.
أنا سمعت كلينتون في نفس اليوم يرد على طلب السعودية في CNN قائلا:
"ولماذا لا تعترف السعودية نفسها بالانفصال؟"
السعودية، كانت تريد أن تبدأ أمريكا بقص الشريط أولا.
بعد هذا التصريح، استقل طائرته إلى مؤتمر جنوا- إيطاليا لمجموعة الثمانية.
الشيئ المثير هو أن الأمير بندر بن سلطان الذي كان سفيرا للسعودية في واشنطن لحقه إلى إيطاليا لمحاولة تغيير رأيه وتأييد الانفصال ولكن كلينتون كان قد أخذ من الرئيس صالح ما يريد وقد قضي الأمر.
**
سابعا: اليمن مازالت في نفس الطاحونة بعد ٣٥ سنة
**
قد فقدنا العاصمة صنعاء وقد فقدنا العاصمة عدن وقد أصبح معنا ثمانية أعضاء مجلس رئاسي ومازلنا في نفس الطاحونة.
وكمان معنا واحد حوثي يوجع المطحونين والطاحنين.
ولا نرى في الأفق موعدا لتوقف الطاحونة.
١٩٩٤ يشبه كثير ما يدور الآن في ٢٠٢٥
مازال هناك حرب في اليمن.
مازال هناك الأقوى الذي يصمم على الغلبة وهناك الأضعف الذي يرفض.
مازال هناك اليمنيون الذين لا يستطيعون التفاهم سلميا.
مازال هناك الانفصال والإمارات.
مازال هناك السعودية وأمريكا.
مازال هناك الفقر والعصبيات والكثافة السكانية وفراغ القوة.
لكن في ٢٠٢٥، جاءت السعودية لدعم الشرعية اليمنية القائمة على المرجعيات.
ولكن قلب المرجعيات وروحها هو الوحدة اليمنية وسلامة أراضيها.
والشرعية مطرودة من عاصمتها عدن التي يرغب المجلس الانتقالي بجعلها عاصمة للانفصال بدعم من الإمارات.
والذي جلب الإمارات إلى داخل اليمن هو السعودية.
أنا من الذين يقولون أن رحى الطاحونة لن يتوقف عن طحن اليمن إلا إذا تم توضيب أدوار السعودية وأمريكا داخل اليمن.
خاتمة
*
ومازلنا في مجهود استكشاف:
"اليمن والسعودية— ٢٠٢٥"
عبدالقادر الجنيد
١٨ يناير ٢٠٢٥م