فلسطين... القضية والبوصلة..
مفهوم "السّلام" الأَوْحَد في الفكر السياسي الصّهيوني
الإثنين - 20 يناير 2025 - الساعة 11:14 م بتوقيت العاصمة عدن
فلسطين " عدن سيتي " أنور محمود زناتي : متابعات
فلسطين... القضية والبوصلة..
مفهوم "السّلام" الأَوْحَد في الفكر السياسي الصّهيوني
اختلف مفهومُ السّلامِ في الفكرِ السّياسي الصّهيوني، تبعًا للمراحل التّاريخية والظّروف السياسية في المِنطقة. ولكن هناك بعْضُ الملامحِ المُشتركةِ التي تُعمِّق فَهْمَ استراتيجيّةِ الجانبِ الإسرائيلي في إدارةِ الصّراع، وتَكْشِفُ المُراوغاتِ الإسرائيلية التي تعرْقِل السّلامَ بكلّ صورِه وأشكالِه.
من الملامِح المشتركة ما يلي:
- السّلام السّماوي
-
يقوم السّلام في العقيدةِ الصّهيونية على أساس التّرويج لِمَا يُسمَّى بالحقِّ الدّيني والتّاريخي المزعوم لليَهود على كامل الأراضي الفلسطينيّة، ولا يوجد حقٌ للفلسطينيّين في أراضيهِم. فهو سلام السّماء الذي ارتضاه الله لليّهود وفق العقيدة التّوراتيّة، سلامٌ يقومُ على النّهْبِ والسّلْبِ والطّرْدِ ليكون "كلّ موضِع تدوسه بطون أقدامِكم لكُم أعطيته" سفر يشوع (1: 3).
- السّلام وسيلة لتأمين وجود الدولة
في الفِكْرِ الصّهيوني، يُعتبر السّلام أداةً لضمانِ أمنِ واستقرارِ دولةِ إسرائيل، ذلك أنه منذ تأسيس الحركة الصّهيونية كان السعي إلى إقامةِ دولةٍ يهوديةٍ في فلسطين يتطلَّب تحقيقَ نوعٍ من السّلام الذي يسمحُ بتأمينِ الحدودِ ومنع التّهديدات الخارجيّة. هذا النّوع من السّلام كان في البدايةِ مُتَصَوَّرًا على أنّه اتفاقٌ مع القوى الكبرى أو الدّول المجاورة.
مفهوم السّلام الأَوْحَد في الفكر الإسرائيلي هو "سلام الرَّدع"
فالسّلام مع الفلسطينيّين من وجهةِ نظرِ الصَّهاينة بوصفهِم شعبًا مستقلًّا وقابلًا للاستمرارِ والمقاومةِ في أراضيهم وتمسّكِهم بها يهدُم جوهرُ وجود الدّولة الصّهيونية من الأساس؛ ولهذا يسعى التصوّر الصّهيوني بشتّى الطرق إلى جعلِ هذا الوجود الفلسطيني أمرًا عَرَضيًّا زائلًا ويرفض فكرة السّلام العادل؛ ومن ثمّ ينعكِس ذلك في الرّؤية الإسرائيليَّة للسّلام، وبهذا فإنَّ مفهومَ السّلام الأوْحَد في الفكر الإسرائيلي هو "سلام الرَّدع" على حدِّ تعبيرِ عبد الوهاب المسيري.
- غطرسة القوة
تحت غطاءٍ من الخِداع وغطرسَة القوّة، يرى الفكر الصّهيوني أنّ السّلام مع العربِ لا يمكن أن يكونَ إلّا على أساسِ التفوُّق الإسرائيلي؛ إذ غالبًا ما تُعَتَبر الدولةُ اليهوديةُ هي القوّة العسكرية والاقتصادية الأقوى في المِنطقة، ومن ثم يقتصرُ السّلام على الاعترافِ بشرعيةِ الدولةِ والتهدئةِ الأمنيّة، بدلًا من تأسيسِ علاقةِ تساوٍ حقيقي أو شراكةٍ بين إسرائيل والدّول العربية.
وكان ديفيد بن غوريون يرى أنّ السّلام مع العرب يجب أن يتحقَّق من خلال قوّة الدّولة، وأنَّ التفاوض مع الدّول العربية يتطلَّبُ أن تكون إسرائيل قويّةً بما يكفي لضمانِ أمنِها. في هذا الإطار، كان يدعو إلى التفاوُضِ مع الدول العربية في حالة توفُّر الظروفِ المُلائمةِ، ولكنّه كان يؤكِّد أنَّ القوةَ العسكريةَ الإسرائيليةَ يجب أن تكون العاملَ الحاسِمَ في تحقيقِ السّلام، ومن هنا ارتبط مفهوم السّلام في الفكر السياسي الصّهيوني ارتباطًا أساسيًّا بالأطماعِ الصّهيونية في أرض فلسطين، وفرض سياسة الأمرِ الواقع الذي يتمثّل في السّلام العاجز المُذِلِّ للعربِ جميعًا.
- للسّلام شروط تعجيزية
هناك أحزابٌ صهيونيةٌ تضعُ للسّلام شروطًا تعجيزية، مثل أحزاب "الليكود" و"كولانو"، و"كاحول لافان"، و"هاعفوداه"، و"جيشير"؛ فيَرى حزب "الليكود" أنَّ الأمنَ الإسرائيلي هو الأولويّة، ويرفضُ أيْ تنازلاتٍ في المفاوضاتِ مع الفلسطينيّين أو العرَب، وأنَّ السّلامَ أمرٌ غير قابلٍ للتّحقيق طالما أنّ الفلسطينيّين لم يعترِفوا بحقّ إسرائيل في الوجود. كما يدعو حزب "كولانو" إلى أن يتمَّ السّلام مع الفلسطينيّين وفق صيغة السّلام مقابِل السّلام مع اعتراف الفلسطينيّين بالحقِّ التاريخي لليَهود في أرضِ فلسطين، في حين يرى حزب "كاحول لافان" أنَّ السّلامَ لا بدّ أن يتمَّ وفقًا للمصالِحِ الأمنيّةِ لإسرائيل وحريّةِ عملِ الجيش الإسرائيلي في كلّ مكان. أما حزب "هاعفوداه" فالسّلام عنده يقوم على شرطِ أن تكونَ الدولةُ الفلسطينيةُ منزوعةَ السّلاح، في حين ينادي حزب "جيشير" بدعم التّسوية السياسيّة للإشكاليّة شرْطَ ضمان الأمنِ لمواطني إسرائيل والاعتراف بحقّ إسرائيل في الوجود بوصفِها وطنًا قوميًّا لليَهود وعاصمتها القدس، والحفاظ على الاستيطان واحتياجات إسرائيل الأمنيّة.
فكرة توسيع حدود الدّولة اليهودية تشمل الأراضي التي يعتقد اليهود أنّها جزء من "أرض إسرائيل" كما ورد في التوراة
أما "هايمين هحداش" فيَرى أنَّ إسرائيل هي أرضُ "اليهود" وحدَهم، وأنَّ القوميّة "الفلسطينيّة" مصْطنعة بوصفِها ردّ فعلٍ على الصهيونيّة، ولا توجد مشكلةٌ "فلسطينيةٌ" في فلسطين، وإذا اختفت إسرائيل من الخارطة فإنَّ "القوميّة الفلسطينيّة" ستختفي أيضًا، وقدََّمَ خطةً سياسيةً تتمثّل في إلغاء اتفاقيات "أوسلو" والسعي لإقامةِ "دولةٍ يهوديةٍ" واحدة، وعودة السّيطرة العسكرية والأمنية الإسرائيلية على جميع الأراضي الفلسطينيّة، وسيتمُّ تطبيقُ السّيادة الإسرائيليّة الكاملة على الفور في جميع "الأراضي المحرَّرة".
- السّلام الشامل مقابل السّلام الجزئي
السّلام في الفكر الصهيوني سلامٌ مرْحلي يقوم على فكرة "السّلام الجزئي" الذي يقتصر على اتفاقاتٍ مع دولٍ معيّنةٍ أو بعض الأطرافِ فقط. واتفاقات "كامب ديفيد" مع مصر واتفاقات "أوسلو" مع الفلسطينيين تُعَدُّ مثالًا على ذلك، بحيث تركّزت على حلّ النِّزاع مع بعض الأطراف، ولكن من دون التوصُّل إلى حلٍّ شامل.
- أرض إسرائيل الكامِلة
مفهومُ "أرضُ إسرائيل الكامِلة" هو مفهومٌ مركزيّ في الفكر الصّهيوني، بخاصَّة لدى التيّارات الدّينية واليمينيّة، ويعني فكرةَ توسيع حدودِ الدّولةِ اليهوديةِ لتَشْمَل جميع الأراضي التي يعتقدُ اليهود أنّها جزء من "أرضِ إسرائيل" كما ورد في الكتاباتِ الدّينية اليَهودية، ولا سيما التوراة. هذا المفهومُ لا يقتصرُ على حدودِ دولةِ إسرائيل الحاليّة، بل يشملُ مناطقَ في الضَّفَّةِ الغربيّة وغزَّة وأحيانًا يشْمَل أراضٍ في دولٍ مجاوِرة مثل لبنان وسوريا والأردن.
الحركات السياسية الصّهيونية تدعو إلى توسيع حدود إسرائيل بحيث تقترب قدر الإمكان من حدود "الوعد الإلهي"
ومفهوم السّلام الأوْحد يقوم على مبدأ "أرض إسرائيل الكامِلة" بتأييدِ ومباركةِ مجموعةٍ من الأحزابِ والحركاتِ السياسيةِ الصّهيونيةِ التي تدعو إلى الاستيلاء على الأراضي الفلسطينيّةِ وتوسيع حدودِ إسرائيل بحيث تقترب قَدَرَ الإمكان من حدود "الوَعْدِ الإلهي"، بوصفِها مهمّةً وطنيةً وسياسيةً ودينيَّة. وتبنّى عددٌ كبيرٌ من الحركاتِ والأحزابِ فكرة "أرض إسرائيل الكاملة" مثل حركة "من أجل أرض إسرائيل الكامِلة" وحركة "جوش إيمونيم"، و"حركة "موليديت" و"البيت اليهودي". هذه الحركاتُ السياسيّة، التي تمثِّل التيار الدّيني الصّهيوني، تعتبرُ أنَّه من حقّ إسرائيل ضمَّ أراضٍ في الضَّفَّةِ الغربيةِ وقطاع غزّة، وهي ترفضُ بشدّة فكرةَ الانسحاب منها، معتقدةً أن هذه الأراضي هي جزء من "أرض إسرائيل"، بحسب التوراة.
- السيناريوات لمستقبل السّلام
يبدو أن السّلام الشامل بين العرب وإسرائيل هو هدفٌ بعيدُ المنالِ في الوقت الحالي، لكن لا بدَّ من تحريكِ المياهِ الرّاكدةِ والمطالبةِ بتسويةٍ عادلةٍ، ووضع اتفاقٍ دوليٍ مُلْزِمٍ لـ"حلّ الدولتَيْن"، وتطبيق القرارات الدوليّة المُعترف بها من قبل المُجتمع الدّولي. مع تفعيل الضّغوط الدوليةِ من الأمم المتّحدة والاتّحاد الأوروبّي للتوصُّل إلى السّلام العادلِ والشّاملِ الذي هو حلمٌ أقرب إلى أن يكون "أضغاث أحلام"!.
"عروبة 22"